أمام غرفة اجتماعات مغلقة، عشرات المزارعين الكورد والعرب ينتظرون دورهم للدخول وكل واحد منهم يحمل مجموعة وثائق آملين أن تُحَلّ قضاياهم التي تمتد جذورها الى الأربعين سنة الماضية من تاريخ العراق والتي تتعلق بمعيشة عشرات الآلاف من العوائل.
بدأت النزاعات المتعلقة بملكية الأراضي الزراعية في كركوك مع مجيء حزب البعث للحكم في النصف الثاني من القرن الماضي، حسم هذه النزاعات أُنيط الى لجنة برلمانية في الوقت الذي لم يستطع الدستور والقانون ايجاد حل نهائي لها.
المزارعون الكورد والعرب كانوا بانتظار ما تقرره اللجنة بشأن تلك الأراضي الزراعية التي أصبحت على مدار عقود محلّ نزاعات حادة بينهم وصلت في بعض الأحيان الى حد التوتر ومخاوف نشوء صدامات مسلحة.
في 28 كانون الأول، وصل وفد برلماني الى كركوك لمتابعة الشكاوى التي تقدم بها المزارعون حول ملكية الأراضي الزراعية.
الوفد الذي كان يترأسه محمد رضا، رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية و بعضوية ستة نواب كورد، عرب و تركمان، عقد اجتماعاً مع المحافظ و قائد عمليات كركوك و ممثلين عن المزارعين من مختلف المكونات ، امتد لخمس ساعات، وذلك بعد تواصل احتجاجات مزارعي القرى الواقعة ضمن حدود قضاء داقوق، قضاء الدبس وناحية ليلان.
عضو اللجنة البرلمانية عن المكون الكوردي هريم كمال آغا قال لـ(كركوك ناو) "باعتقادنا حدثت تجاوزات على أراضي وأملاك الكورد في تلك المناطق، أجرينا محادثات مكثفة، قررنا جمع كافة الوثائق عن طريق المحاكم و اللجنة الزراعية من أجل اعداد تقرير مفصّل."
تسعى اللجنة البرلمانية الى وضع حلول نهائية للمشاكل التي تواجه المزارعين في المنطقة، والتي تتعلق بملكية تلك الأراضي.
"القرار الأول الذي تمخض عن الاجتماع كان ايقاف جميع التجاوزات ابتداءً من اليوم (28 كانون الأول) و عدم السماح بإخلاء أية قرية"، حسبما قال هريم كمال آغا.
القرار الأول الذي تمخض عن الاجتماع كان ايقاف جميع التجاوزات ابتداءً من اليوم (28 كانون الأول)
ناصر هركي، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية قال لـ(كركوك ناو) "لحل النزاعات نستند الى الدستور والقانون، اليوم استمعنا لمطالب المزارعين من المكونات الثلاثة."
وأضاف هركي "أكّدنا على أن جلبهم للوثائق التي تثبت ملكيتهم للأراضي أمر مهم بالنسبة لنا و يصب في خدمة القضية... وسنعمل على حل النزاعات بعيداً عن التوتر و الصدامات."
وكانت قرية فريق التابعة لقضاء داقوق قد شهدت مؤخراً حدوث نزاعات حول ملكية الأراضي بعد أن داهم بعض المزارعين من "العرب الوافدين" القرية الواقعة جنوبي داقوق و بدأوا بحراثة عدة دونمات من الأراضي الزراعية، ما أسفر عن قيام المزارعين الكرد بتظاهرة احتجاجية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يقول فيه المزارعون العرب بأن لديهم "وثائق مصدقة" تثبت ملكيتهم لتلك الأراضي، لذا عادوا الى المنطقة. الوثائق التي تحدّث عنها المزارعون شملت عقوداً زراعية.
وقال عضو اللجنة البرلمانية عن المكون الكوردي ناصر هركي "تسعى لجنتنا الى اعادة الحق لأصحابه."
حول الوثائق التي يذكرها المزارعون العرب قال ناصر هركي "قسم كبير من تلك الوثائق مزورة، طلبنا تشكيل لجنة فرعية للتحقق من تلك الوثائق، لا يمكن أن تصدر المحكمة قراراتها بناءً على معلومات مزورة."
قسم كبير من تلك الوثائق مزورة، لا يمكن أن تصدر المحكمة قراراتها بناءً على معلومات مزورة
من جانبه قال رئيس اللجنة محمد رضا الاجتماع بأنهم عقدوا اجتماعاً "مثمراً" مع رؤساء العشائر والجهات المعنية. "حققنا في المشاكل عن قرب، نأمل أن نتمكن من الحصول على نتائج افضل في الاجتماعات المقبلة."
من المقرر أن تعد اللجنة البرلمانية تقريراً "مفصّلاً" و تقدمه للبرلمان و الحكومة العراقية من أجل اتخاذ القرارات و معالجة المشاكل، حسبما أكّد ريبوار طه، عضو آخر في اللجنة.
"عمل اللجنة ليس سهلاً، لأننها تتعامل مع مشكلة ذات جذور تاريخية"، كما قال ريبوار طه.
المشكلة تفاقمت أكثر بعد أحداث16 أكتوبر 2017، بعد عودة القوات العراقية الى المنطقة و انسحاب القوات التابعة لحكومة اقليم كوردستان منها.
المزارعون الكورد والعرب وحتى التركمان كانوا يحاولون اقناع اللجنة بملكيتهم لتلك الأراضي عن طريق عرض الوثائق، لكن اللجنة قررت التحقق من مصداقية تلك الوثائق.
أحمد حيدر، النائب في البرلمان العراقي و عضو اللجنة عن المكون التركماني قال لـ(كركوك ناو) "هذه مشكلة تاريخية ورثناها عن حزب البعث، هذا الأمر أصبح مصدر للمشاكل والنزاعات بين القوميات المتعددة، ويجب أن تصدر الحكومة قرارات صائبة استناداً الى عمل هذه اللجنة."
جدير بالذكر أن حسم ملكية قسم من تلك الأراضي مرهون بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والذي كان من المقرر اكمال تنفيذه بنهاية عام 2007.
وقال أحمد حيدر "واجبنا هو التحقق من الوثائق و اعادة الحق لصاحبه، وتعويض المتضررين."
واجبنا هو التحقق من الوثائق و اعادة الحق لصاحبه، وتعويض المتضررين
المزارعون الكورد الذين تجمعوا أمام قاعة الاجتماع كان بحوزتهم سندات طابو الأراضي، في حين كان المزارعون العرب يحملون في أيديهم عقوداً زراعية.
محمد أحمد، الذي شارك في الاجتماع ممثلاً عن المزارعين الكورد قال بعد خروجه من قاعة الاجتماع "من كثر اللجان التي رأيناها لم نعد نثق بإمكانية اية لجنة على حل مشاكلنا، اذا أردت عدم حل مشكلة كل ما عليك هو اناطتها الى لجنة."
"مشكلتنا بحاجة الى قرار سياسي، من بحوزته سند الطابو هو من يملك تلك الأراضي، وليس أصحاب العقود الزراعية المزورة"، وأضاف محمد أحمد "لو كانت المادة 140 قد نُفِّذَت لما وصلنا الى هذا الحال."
على الجانب الآخر، قال أحد المزارعين العرب من منطقة بلكانه في ناحية سركران –شمال غرب مدينة كركوك- متحدثاً لـ(كركوك ناو) " الخطوات التي اتخذتها اللجنة هذا اليوم، ستحبط 80% من المزارعين العرب."
وتابع قائلاً "لسنا ضد الكورد، بل نريد حل هذه المشكلة عن طريق القانون، نحن ايضاً نعتبر أنفسنا اصحاب حق، لدي أدلة قطعية من المحكمة تثبت مليتي لتلك الأرض، لكنني لا أعرف كيف ستعالج اللجنة هذه المشكلة."