تشهد مدينة بغداد تناقصاً كبيراً في اعداد المسيحيين، ومع غياب الاحصائيات الرسمية يقدر بان سبعة من أصل كل ثمانية مسيحيين غادروا العاصمة لاسباب تنوعت من التهديد والتهميش وقلة فرص العمل والخدمات.
اثير صليوة (40 عاماً) مواطن من الديانة المسيحية، كان يعمل محامياً ويسكن في منطقة البلديات في بغداد، اضطر لترك منزله ومغادرة مدينته عقب تعرضه لتهديد من قبل بعض الجماعات المسلحة في تشرين الثاني 2019.
حاليا استقر عند اقاربه في محافظة دهوك على امل الهجرة خارج العراق، حاله حال آلافٌ من المسيحيين الذين غادروا منازلهم بحثاً عن الخلاص منذ سقوط النظام عام 2003 وتستمر الهجرة حتى اليوم.
واختلفت الاسباب مغادرة المسيحيين من بغداد، ولم تقتصر على التهديد والقتل، انما يشتكون من التهميش وقلة فرص العمل والخدمات.
"ترعرعت في بغداد، سكنت منطقة زيونة، ولم اتعرض لا لتهديد او تخويف، كل ما هنالك أننا هنا مهمشين، اعمل كسائق تكسي، ورغم حصولي على شهادة الادارة والاقتصاد لكني لم احصل على تعيين حكومي حتى الان" يقول رعد توما (45 عاماً).
لذلك يخطط توما لمغادرة بغداد وهجرة من العراق بعدما عجز عن الحصول على وظيفة دائمية في ظل غياب الخدمات المقدمة لأهالي العاصمة.
الكثير من المسيحيين في بغداد يشابهون رعد برغبته بالمغادرة، ففي منطقة الدورة التي تتضمن حيّاً خاصاً بالمسيحيين الاشوريين يدعى محليا بـ"الاثوريين"، كان يسكنه اكثر من 150 الف مسيحي لم يتبقى منهم سوى ألف بحسب ما زودت مفوضية حقوق الانسان (كركوك ناو) من ارقام.
في هذه المنطقة اغلقت الكثير من المحال التجارية والمقاهي والكنائس التابعة للمسيحيين.
كنائس مهجورة
بغياب الاحصائيات الرسمية عن العدد الفعلي للمسيحيين المغادرين من بغداد، لكن بمتابعة اعداد المصليين بالكنائس يبين حجم التناقص الحاصل باعدادهم.
فضلاً عن اغلاق العديد من الكنائس، منها كنيسة الثالوث الاقدس في منطقة البلديات شرق بغداد المغلقة على مدى الخمس سنوات، فضلا عن كنيسة (قلب يسوع الاقدس) التي اغلقت منذ عام 2007 والتي تقع في منطقة الكرادة وسط العاصمة وهي كنيسة خاصة بالارمن والكاثوليك.
ويقول الاب مارتن بني راعي كنيسة مريم العذراء في شارع فلسطين لـ(كركوك ناو) أن "عدد المصلين كان يتجاوز المئات أما اليوم فلا يتجاوز عددهم 50 فرداً".
"عدد المصلين كان يتجاوز المئات أما اليوم فلا يتجاوز عددهم 50 فرداً
"العديد من الكنائس اغلقت في بغداد، وحين افتتح بعضها تم دمج أكثر من ثماني كنائس ببعضها البعض بسبب غياب التخصيص المالي، وعدم وجود رعاية كافية للكنائس" يضيف بني.
سبعة من أصل كل ثمانية مسيحيين تركوا بغداد
بغياب للإحصائيات الحكومية عن مغادرة المسيحيين لبغداد، تقدم منظمات بعض الاحصائيات غير الرسمية، كما تقول الناشطة في شؤون الاقليات نور مؤيد لـ(كركوك ناو) أن "عدد المسيحيين في بغداد عام 2003 كان اكثر من 800 الف فرد، اما اليوم فلا يتجاوز عددهم الـ100 الف".
عدد المسيحيين في بغداد عام 2003 كان اكثر من 800 الف فرد، اما اليوم فلا يتجاوز عددهم الـ100 الف
"اكثر المسيحيين غادروا بغداد رغماً عنهم على الرغم من ان هذه ارضهم وهذا تأريخهم لكنهم يطمحون لمستقبل افضل لأطفالهم" بحسب قول الاب مارتن بني.
ويتفق مع هذا الرأي رعد توما بقوله "نغادر لنبحث عن مستقبل أفضل لأطفالنا ليس القتل وحده سبب لهجرتنا بل بحثاً عن حياة أفضل".
مغادرة المسيحيين من بغداد وهجرتهم من العراق عموما استمرت من 2003 وحتى اليوم وكانت ذروتها في عامي 2006 و2007، نتيجة عمليات الخطف والاغتيال والتهديد والتهميش وقلة الخدمات والفساد المستشري في مفاصل البلاد التي تعرض لها ابناء الطائفة.
ويغادر اغلب المسيحيين من بغداد باتجاه مدن إقليم كوردستان او يغادرون العراق نهائياً.
وبحسب مفوضية حقوق الانسان كان يبلغ عدد المسيحيين الساكنين في عموم العراق مليون و500 الف لم يتبقى منهم سوى 250 الف فرد اليوم، بعد قتل اكثر من الف و 315 مسيحيا بين عام 2003 و2015.
هناك من لم يستسلم
وعلى الرغم من استمرار مغادرة ابناء الديانة المسيحية من بغداد، إلا ان هنالك من لازالوا متمسكين بالحياة فيها، منهم صلاح يوسف الذي يتوسط منطقة الكرادة داخل، والبالغ من العمر (52 عاماً).
يوسف يعمل في مهنة الاسكافي منذ 25 عاماً بعد أن بُترت ساقه اليمنى في الحرب ضد ايران في ثمانينيات القرن الماضي.
"لم استسلم عندما بترت ساقي، وخسرت عملي كعسكري، لكني ورغم ذلك حاولت ايجاد بديلاً لتستمر الحياة" يقول يوسف.
لا افكر بمغادرة بغداد او الهجرة من العراق ليس لانه البلد الافضل ولكني هنا لي أناسي الذين اعرفهم واحبهم ويحبونني
هذه الخسارة لم تكن وحدها ما تعرض لها يوسف في العراق، توالت الخسارات منها العامة والخاصة، يقول صلاح " هاجرت عائلتي واقاربي جميعاً ولم يبقى من عائلتي سوى اسرتي الصغيرة زوجتي وابنتي مريم وانا وعملي هذا".
مؤكداً "لا افكر بمغادرة بغداد او الهجرة من العراق ليس لانه البلد الافضل ولكني هنا لي أناسي الذين اعرفهم واحبهم ويحبونني، لهذا اجد ان من الصعب علي هجرة العراق".
يوسف واحدٌ من هؤلاء 100 الف فرد مسيحي والذين مازالوا مقاومين القتل والترهيب والتهجير الذي يتعرض له ابناء هذه الطائفة تمسكاً وحباً بمدينتهم بغداد على الرغم من قلة فرص العمل والخدمات.