تسجيل حالات انتحار مرتفعة في محافظتي كركوك وديالى، والمختصون يعزونها إلى أسباب نفسية وأخرى متعلقة بالعادات والتقاليد وضعف الحالة الاقتصادية للمنتحرين، والجهات الحكومية تدير ظهرها للظاهرة.
لم تكمل العاشرة بعد
في ديالى ، بدأت سعاد أحمد وهي تسكن قريبا من بيت انتحرت فيه طفلة ، بسرد لـ(كركوك ناو) قصة ذات التسعة اعوام ونيف والتي انهت حياتها بسبب متابعتها للدراما الهندية بشغف وتحاول تقليد ابطالها، ولجأت الى استغلال غياب والدتها عن البيت للتسوق فقامت بلف طرف اول من رباط صغير حول عنقها والطرف الاخر بإطار ارجوحة قديمة مهترئة وفارقت الحياة على الفور ولم يستطيع احد اسعافها .
حالات اخرى تحدثت عنها أحمد بشكل موجز، شاب انتحر بحقن نفسه بإبرة وقود وآخر احرق نفسه بعد ان رفضت عائلته الفتاة التي يريد الاقتران بها ، فتاة انهت حياتها بسبب ضغوط عائلية تهدف الى اجبارها على الزواج من قريب لها وهي تحب آخر ومتفقة على الهروب معه والزواج الا ان عائلتها تمكنت من ردعها في اللحظة الاخيرة .
القصص والمحاولات لا تنتهي وهي في زيادة حسب حديث الباحث في الشان النفسي الدكتور عبد الكريم خليفة لـ(كركوك ناو) والذي يرى ان "الاسباب زادت ولكن الحلول امام هذه الحالة مازالت عقيمة خاصة وان الكثير من حالات الانتحار تسجل على انها حوادث خوفا من وصمة العار المجتمعية وهناك حالات قتل او عنف اسري تسجل على انها انتحار".
الاسباب زادت ولكن الحلول امام هذه الحالة مازالت عقيمة
مناصفة بين الرجال والنساء
مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ديالى الحقوقي صلاح مهدي اكد ان ديالى شهدت في النصف الاول من هذا العام 16 حالة انتحار انتهت بوفاتهم وكان نصفها من الرجال والنصف الاخر من النساء.
الحقوقي مهدي اكد لـ(كركوك ناو) ان اعمار المقدمين على الانتحار كانت بين الـ 15 عام وحتى الـ 73 وهي نسبة مقاربة للعام الماضي و "7 من حالات الانتحار هذه كانت بأسلوب الشنق، و5 بطلق ناري و3 بالحرق".
اما المفوضية التابعة لكركوك فسجلت "أعلى نسب انتحار خلال السنوات الثلاثة الماضية، بواقع 35 حالة خلال النصف الأول من العام الجاري وتزامنت حالتان في أسبوع واحد فقط ومقارنة بالعام الماضي فانها الاعلى خاصة وانها سجلت 64 حالة خلال 2020، وأكثر من نصف تلك الحالات كانت لنساء" حسب قول مدير مكتب كركوك لمفوضية حقوق الأنسان سجاد جمعة.
في نيسان 2020، عبرت الأمم المتحدة في بيان عن قلقها بسبب تصاعد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد، شملت اعتداء الأزواج، الحرق وقتل النفس بالحرق، أذية النفس بسبب الإساءة الزوجية المتكررة، والتحرش الجنسي بشخص قاصر، وغيرها من الجرائم ذات الصلة.
اسباب وحلول
يرى الاكاديمي يونس حلب من كركوك ان الجهات المختصة غير مهتمة بما يحدث للشباب العراقي وانها غير مبالية بوضع اية حلول لظاهرة الانتحار خاصة وانها في ازدياد.
"لاتأبه الحكومة ان انتحر الشعب اجمع، الاهم من ارواحنا وحياتنا هي مصالحهم، ان احرقت ام نفسها وتركت ايتام؛ وان اغرق شاب نفسه وترك عائلة فلا معين لهم ابدا"، يقول حلب لـ (كركوك ناو).
"لا نقول ان الحلول بسيطة او انها في متناول اليد ولكن هناك حلول وما نحتاجه حقا هو تكاتف شعبي وحكومي ايضا لمواجهة الاسباب التي ادت بالمنتحر الى الوصول لهذا الحد ، انهاء حياة ما تحتاج الى تخطيط ومحاولات عدة قبيل الشروع فيها وان نجحنا بحل الازمة التي تصل بالمنتحر الى محاولة اخذ روحه فسنقلل من هذه النسبة " يضيف حلب.
انهاء حياة ما تحتاج الى تخطيط ومحاولات عدة قبيل الشروع فيها وان نجحنا بحل الازمة التي تصل بالمنتحر الى محاولة اخذ روحه فسنقلل من هذه النسبة
في الوقت ذاته تحصر مفوضية حقوق الانسان في ديالى وفي كركوك ايضا الاسباب بالفقر والبطالة والخيانة الزوجية والاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي والتخلف وضعف الوازع الديني والعنف الاسري والحالات المرضية كالاكتئاب وانفصام الشخصية.
فيما يضيف الباحث في الشأن النفسي الدكتور عبد الكريم خليفة اسباب أخرى منها الابتزاز الالكتروني وعدم مراقبة مايتابعه الابناء على مواقع التواصل الاجتماعي والاختلاف في الالتزام بالعادات والتقاليد والشعور بالانهاك والزواج المبكر والطلاق والقيود التي تفرضها العوائل على اطفالها وغيرها.
"الانتحار ليست عملية وليدة اللحظة وانها تحتاج الى تهيئة نفسية وايضا الى تخطيط ومحاولات عدة اي ان النسبة هذه يمكن ان تقل بكثير ان توفرت متابعات نفسية للمنتحرين" يؤكد الباحث.
وبهدف وضع حد لظاهرة الانتحار، طالب الباحث ومفوضية حقوق الانسان بإنشاء دور ايوائية لمن يتعرض للعنف الاسري ومراكز لاعادة الدمج المجتمعي وايضا بتوفير فرق جوالة مختصة بالطب النفسي تعمل وفق دراسات واحصائيات لفحص ومتابعة حالات الاكتئاب.
بالاضافة الى فتح مكاتب استشارات نفسية وتعيين الباحثين في المراكز الصحية والمدارس بالاضافة الى تقديم دورات تؤهل الازواج حديثا لموجهة الحياة سوية.