مع مرور الذكرى السنوية لحادثة “مجزرة” قرية كوجو الايزيدية في سنجار، ينقل شاهدان جزء من التفاصيل العصيبة التي مر بها سكان القرية حين اجتاح تنظيم الدولة “داعش” لمناطق سنجار (غرب محافظة نينوى).
الناجية الشابة بسمة الياس التي اختطفها داعش لأكثر من عام تم نقلها من قريتها باتجاه قضاء البعاج ومنها الى تلعفر لتنقل أخيرا إلى الرقة. اما الشاهد الاخر من تلك القرية المنكوبة يدعى شوقي حيدر انقذت حياته مكالمة غامضة.
الخوف والترقب يسود القرية
قالت بسمة في حديثها لـ(كركوك ناو)، انه “في الساعة العاشرة من صباح الثالث من آب 2014، سمعنا بان سيارة تابعة لمسلحي داعش دخلت القرية وتوجهت الى منزل نايف جاسو مختار القرية، وكنا قبلها قد سمعنا بان جميع المجمعات والقرى الجنوبية وقضاء سنجار قد سقطت وان داعش ارتكب مجازر بحق المدنيين، ولم يبق هناك غير قريتنا و قرية الحاتمية التي لا تبعد عنا اكثر من 5كم”.
وأضافت “لم نكن نصدق بانهم اخذوا النساء والاطفال، كان الخوف والقلق يسيطران على جميع اهالي القرية، بعد ساعات جاء شقيقي ابراهيم واخبرنا بان داعش اعطى الامان لمختار القرية وطلبوا منه ان يبلغ الاهالي بان يبقوا في منازلهم وان لايغادروا وانهم في امان عدا منتسبي الشرطة والجيش”.
لم نكن نصدق بانهم اخذوا النساء والاطفال، كان الخوف والقلق يسيطران على جميع اهالي القرية
وأوضحت “في الساعة الثالثة من نفس اليوم جاءت عدد من السيارات تقل مسلحين من داعش واخذت تجول في القرية، وطلبوا من الاهالي تسليم اسلحتهم وسيكون الموت مصير من يخالف ذلك، وطوال ذلك اليوم كان الشباب يسلمون اسلحتهم بامر من مختار القرية لانه تفاوض معهم بهذا الشأن، في هذه الاثناء استطاع العشرات من العوائل من مغادرة القرية ليلا باتجاه الجبل”.
وبخصوص اسباب عدم هروبهم من القرية قبل وبعد دخول داعش الى سنجار، اجابت بسمة “وفق ما كنت اسمعه من زوجي ومن بقية الاهالي بانه كان هناك اتصالات مع بقية العشائر العربية المحيطة بالقرية، وكانوا قد وعدوا بان داعش لن يدخل القرية ولا شان له بالمدنيين، حتى ان اغلب الاهالي كانوا على علاقة جيدة مع بقية القرى وكانت تربطنا معهم علاقة صداقة اخوية، ولكننا لم نتوقع ان يغدروا بنا بهذا الشكل الوحشي”.
واسترسلت في حديثها “بعد ايام طويلة من الخوف والقلق كانت تتوارد لنا اخبار ما فعله داعش بالايزديين، وخلال تلك الفترة كنا نسمع بانهم عرضوا على مختار القرية ان يقوم جميع اهالي القرية باعلان اعتناقهم الاسلام مقابل الحفاظ على حياتهم، وانهم سيعاملوننا اسوة ببقية المسلمين تحت حكم شريعتهم”.
وتابع بسمة حديثها، “قبل وقوع المجرزة بليلتين كان هناك اتصالات مع اهالي قرية الحاتمية القريبة من كوجو وكان اهلها قد بقوا فيها ولم يغادروها لنفس الاسباب، وقد طلب مختار قرية الحاتمية من نايف جاسو مختار كوجو بان يتفقوا على موعد للهروب ولكن الاخير رفض لان القرية كانت تحت المراقبة”.
خيانة العهود
وقال بسمة ان “في يوم 14 آب استفقنا على العشرات من سيارات داعش تجوب القرية وكان قد جن جنونهم وهم يطلقون النار في الهواء، حتى علمنا بان اهالي قرية الحاتمية قد فروا ليلا من القرية باتجاه الجبل، وهذا ما اضطرهم لتكثيف الحماية على القرية وباتت لهجتهم اكثر عنفا وبدأوا بأطلاق التهديدات بانهم سيقتلون الجميع”.
في يوم الصباح التالي وتحديدا في الساعة العاشرة صباحا، حسب اقوال بسمة: دخل ما يقارب 60 مسلحا إلى قرية كوجو بقيادة ابو حمزة الخاتوني من اهالي ناحية بليجو بامر من والي الموصل لدى داعش رضوان طالب الحمدون.
قام المسلحون بجمع الاهالي في مدرسة كوجو وفي عدداً من الهياكل، بادئ الامر طلبوا منهم تسليم هواتفهم ونقودهم وجميع مصوغاتهم الذهبية، وكنت مع يقارب 150 فرداً من النساء والاطفال محتجزين في احدى الهياكل، وكان بعض المسلحين قالوا بانهم سيقتلون الرجال ويسبوا النساء.
وقالت بسمة لقد”كنا نتوسل اليهم وسط العويل وبكاء الاطفال، في الساعة الثانية عشر والنصف كنا نسمع صوت اطلاق نار في اماكن متفرقة من القرية، قبل ان يجلبوا شاحنات نقل ويزجونا بها، وخلال تلك اللحظات شاهدنا العديد من الجثث ملقاة على الارض من ضمنهم جثة شقيقي ابراهيم، وبعدها اخذونا الى قضاء البعاج ومنها الى تلعفر”.
كنا نسمع صوت اطلاق نار في اماكن متفرقة من القرية، قبل ان يجلبوا شاحنات نقل ويزجونا بها، وخلال تلك اللحظات شاهدنا العديد من الجثث ملقاة على الارض
بعد عام على اختطافها، تمكن ذويها من تحريرها من خلال وساطة سماسرة مقابل مبلغ من المال، حيث كانت مستعبدة عند مقاتل سعودي في تنظيم داعش بمدينة الرقة السورية.
مكالمة هاتفية انقذت حياته
شاهد اخر من تلك القرية المنكوبة يدعى شوقي حيدر، يدلي بشهادته لـ(كركوك ناو) “بعد ان علم داعش بان اهالي قرية الحاتمية هربوا الى الجبل قاموا باعتقال الشباب مساء يوم 14 آب 2014، وتم نقلنا من قرية كوجو الى قضاء سنجار حيث تم احتجازنا في مديرية النفوس والاحوال المدنية لمدة يومين”.
وأضاف لقد “كنا اكثر من 85 شخصا أعمارنا تتراوح بين 16 الى 60 عاماً، وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تم تقييد ايدينا الى الخلف وقاموا برصنا مع جدار مبنى المديرية وتهئيوا لإعدامنا، ولكن مكالمة هاتفية غامضة اتت في اللحظات الاخيرة قبل التنفيذ اجلت موتنا”.
دهوك/ 15 آب 2020/ نازحون ايزيديون في مخيم قاديا يستذكرون المجزرة التي تعرضوا لها في قرية كوجو التابعة لقضاء سنجار تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)
“في الصباح الباكر لليوم التالي، عناصر داعش ذكروا لنا بانهم قتلوا جميع اهالي القرية وسبوا النساء وبداوا يسخرون منا، ويتهموننا باننا نستحق القتل لاننا على ضلالة واننا كفار، وكانوا يطلقون الرصاص فوق رؤسنا وبين ارجلنا ويتعهدون بأنهم سيقومون بذبحنا اجلا ام عاجلا”، هذا ما يصف به شوقي أوضاعه اثناء اعتقاله من قبل داعش.
بعد ذلك نقلوا الشباب الايزيديين من ضمنهم شوقي الى سجن “كسر المحراب” ونقلوا البعض اخر الى سجن “قزلكند” في قضاء تلعفر”، وهناك علم شوقي بما حدث في قريته كوجو، وقال لقد “رأينا كيف كانوا يجرون الفتيات من شعرهن وياخذوهن امام انظار ذويهم، اخذوا الامهات ومعهم اطفالهم واخذوا الفتيات حتى دون سن العاشرة”.
رأينا كيف كانوا يجرون الفتيات من شعرهن وياخذوهن امام انظار ذويهم
وفي استفسار عن عدم فرارهم اسوة باهالي قرية الحاتمية وبقية مناطق سنجار أجاب “قريتنا محاطة بالقرى العربية التي غدرت بنا، كما ان مختار القرية كان قد تفاوض معم واخذ منهم الامان بأن لا يعتدوا على القرية مقابل بقائنا واعلان أسلامنا”.
هذا وقد تمكن الشاب شوقي من الفرار من سجن كسر المحراب في قضاء تلعفر هو وعدد من اصدقائه المعتقلين حين كانوا يعملون في حفر خنادق لافراد التنظيم قرب سجن كسر المحراب.