يسعى المرشحون المسيحيون والأحزاب التي تمثل هذا المكون في العراق لعدم البقاء تحت تأثير ونفوذ الأحزاب الكبيرة، حتى وإن كانت أصوات تلك الأحزاب سبيلهم للوصول الى قبة البرلمان.
وفقاً للقانون الجديد للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في العاشر من شهر تشرين الأول 2021، يعتبر العراق بأكمله دائرة انتخابية واحدة للمسيحيين، لذا سيكون بمقدور ناخبي أي من المكونات الدينية والعرقية في أي محافظة عراقية التصويت لمرشحي المكون المسيحي.
"بعض الجهات المسيحية التي زجت بمرشحين في الانتخابات، عقدت تحالفات مع بعض الأحزاب الكبيرة، وهذا أمر طبيعي، لكن الخطر يكمن في قدرتهم على تجاوز تأثير نفوذ تلك الأحزاب بعد وصول مرشحيها الى البرلمان والدفاع عن حقوق المسيحيين"، حسب هوشيار قرداغ يلدا، رئيس تحالف الكلدان ومقرر الدورة الرابعة لمجلس النواب العراقي.
يقول هوشيار بأنه كانت هناك مقترحات سابقة لإعداد سجل خاص بالناخبين المسيحيين، لكن اللجنة القانونية في البرلمان العراقي رفضت المقترح، "كنت أيضاً أعارض ذلك المقترح، لأن من الطبيعي أن يدلي ناخب كوردي بصوته لمرشح مسيحي أو بالعكس، والمفوضية لا تستطيع فتح محطات ومراكز انتخابية خاصة بالناخبين المسيحيين."
بعد وصول مرشحي المسيحيين الى البرلمان يجب أن يتمكنوا من تجاوز تأثير نفوذ الأحزاب الكبيرة والدفاع عن حقوق المسيحيين
من مجموع 329 مقعد في مجلس النواب العراقي، تم تخصيص تسعة مقاعد كوتا للأقليات، خمسة منها للمكون المسيحي في كل من محافظات بغداد، كركوك، نينوى، أربيل ودهوك.
في عموم العراق يتنافس 34 مرشح مسيحي، بينهم 13 امرأة، للفوز بتلك المقاعد الخمسة، تسعة منهم في بغداد، ستة مرشحين في نينوى، خمسة مرشحين في كركوك، ثمانية مرشحين في أربيل و ستة مرشحين في محافظة دهوك.
المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، جمانة الغلاي، قالت لـ(كركوك ناو) بأن العراق يعتبر دائرة انتخابية واحدة بالنسبة لناخبي كل من المكون المسيحي والصابئي المندائي.
أي أن الناخب سواء كان مسيحياً أو من اية قومية أو ديانة أخرى في أية محافظة عراقية سيكون بإمكانه الإدلاء بصوته لمرشحي المسيحيين والصابئة المندائيين.
10 مرشحين من مجموع 34 مرشحاً مسيحياً يشاركون كمستقلين، أما البقية فتشارك في إطار ست قوائم وتحالفات. جميع المرشحين باستثناء واحد فقط، يخوضون معترك الانتخابات للمرة الأولى.
سناء يعقوب، مرشحة مسيحية لمقاعد الكوتا من تحالف حمورابي قالت لـ(كركوك ناو)، "غالباً ما تتصارع الجهات السياسية علينا، ليس لخاطر عيوننا، بل لمصالحها الشخصية"، وحول اتهام بعض المرشحين المسيحيين باللجوء الى الأحزاب الكبيرة، قالت سناء يعقوب، "نظام الدوائر المتعددة ليس في مصلحة بعض الجهات، لذا يوجهون مثل هذه التهم الباطلة لنا."
"قضية الوصول للبرلمان متعلقة بوجدان ومبدأ الشخص نفسه، حين تمثل مكوناً معيناً في البرلمان، يجب أن يكون تمثيلك لهم حقيقاً إذا كنت من اصحاب المبادئ الأخلاقية، لأنك وصلت الى هناك بأصواتهم."
وأوضحت سناء يعقوب بأن طبيعة العمل البرلماني مبنية على اساس التوافق، لذا فإن "أصوات خمسة نواب من مجموع 329 نائباً لن تحدث فارقاً كعدد، لكن يجب أن نعمل على تشكيل لوبي مع الذين يوافقون توجهاتنا في مجلس النواب من أجل حماية حقوقنا ومكتسباتنا، وتطبيق الدستور أمثل حل لضمان حقوق المكونات."
تعتبر الديانة المسيحية ثاني أكبر ديانة في العراق من حيث عدد أتباعها بعد الاسلام و قد أقرّها الدستور العراقي، و لغتهم هي السريانية كما جاء في الدستور.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات، "المفوضية تحافظ على كوتا المسيحيين كمقاعد برلمانية، وفي نفس الوقت تحافظ على الأصوات التي يحصل عليها لمرشحي مقاعد كوتا المسيحيين"، لكن جمانة الغلاي تقول بأن مسألة تدخل الأحزاب الكبيرة في مقاعد كوتا الأقليات لا تتعلق بالمفوضية لذا لن تتطرق اليها.
من الأفضل أن يكون للمسيحيين فقط حق التصويت للمرشحين المسيحيين
مفوضية الانتخابات لم تميز بين أي مكون أو اقلية من حيث سجلات الناخبين و بطاقات الناخب.
ويقول فاروق حنا، وهو مرشح مسيحي مستقل بأنه يخوض سباق الانتخابات كشخصية يسارية، وبأنه قريب من الفكر الشيوعي واليساري، لافتاً الى أنه يحظى بـ"دعمهم"، ورغم ذلك يرى أن من الأفضل "منع التدخلات بموجب القانون، لكي يتمكن المسيحيون فقط من التصويت للمرشحين المسيحيين، لأن انقسام المسيحيين على الأحزاب الكبيرة أمر سيء."
وأضاف حنا في حديثه لـ(كركوك ناو)، "عندما يكون لأشخاص غير مسيحيين حق التصويت لمرشحين مسيحيين حينها سيصبحون ضمن ناخبينا، هذا الأمر يشكل خطراً من جهة، ومن جهة أخرى سنصبح من الناحية القانونية ممثلين عنهم."
ويقترح حنا فصل المسيحيين عن غيرهم في الانتخابات عن طريق إنشاء سجل خاص بالناخبين المسيحيين وتحديد يوم آخر لهم للإدلاء بأصواتهم، بالرغم من أن هذه العملية ليست سهلة ومن الصعب أن يكون بمقدور المفوضية تنفيذ هذه الخطوة.
حسب احصائيات الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان، عشرات الآلاف من العوائل المسيحية النازحة لم تعد بعد الى ديارها، الى جانب هجرة آلاف العوائل الأخرى -24 ألف عائلة في نينوى فقط- الى خارج العراق.
في الانتخابات المقبلة لم تخصص مفوضية الانتخابات صناديق اقتراع خارج العراق، نتيجة لذلك سيحرم الآلاف من المسيحيين خارج البلاد من حق التصويت.
ويقول رئيس تحالف الكلدان بأن أغلبية المسيحيين يعيشون خارج العراق، أعداد المسيحيين الذين لا زالوا في العراق تقترب من 350 ألف شخص، لذا فإن أصوات آلاف الناخبين المسيحيين خارج العراق ستضيع.
الأحزاب المسيحية التي تربط بعضها مصالح بالأحزاب الكبيرة، شاركت بصورة مشتتة في الانتخابات السابقة وتنافس ما يقرب من 70 مرشحاً للظفر بمقاعد الكوتا الخمسة.
ويرى آرام جمال، رئيس المعهد الكوردي للانتخابات بأن الإبقاء على مقاعد المكونات بهذا الشكل بحيث يكون العراق دائرة انتخابية واحدة ويسمح لناخبي المكونات والقوميات الأخرى بالتصويت لهم، سيؤثر سلباً على نتائج الانتخابات، ويمثل تدخلاً في تحددي الفائزين بمقاعد الكوتا.
كان بالإمكان معالجة المشكلة بأن يكون لون بطاقة الناخب المسيحي مختلفاً
ويقول آرام جمال بأن المفوضية كان بإمكانها معالجة تلك المشكلة عن طريق القانون، بحيث يكون لون بطاقة الناخب المسيحي مختلفاً، وهذه خطوة سهلة نظراً لأن ديانتهم مكتوبة على وثائقهم الرسمية، "كان بالإمكان منع تدخل الأحزاب الكبيرة بهذه الطريقة."
وأضاف "ما نراه الآن هو أنهم يمثلون الأحزاب المتنفذة ولا يمثلون مكونهم."
في تسعينات القرن الماضي، كانت أعداد المسيحيين في العراق تُقَدَّر بمليون و500 ألف نسمة، وحتى نهاية حكم نظام البعث في 2003 كانوا يُقَدَّرون بحوالي 800 ألف مواطن.
يعيش أغلب المواطنين المسيحيين الذين تراجعت أعدادهم في عموم العراق من مليون و خمسمائة ألف الى أقل من 500 ألف، في مناطق دهوك، نينوى، كركوك، أربيل و بغداد (حسب احصائية حصلت عليها كركوك ناو من الكاردينال لويس ساكو، بطريرك الكلدان في العراق و العالم في عام 2019).