بادرة ايجابية
مدير التربية اعتذر لي

عبد علي طعمة، مدير تربية كركوك، يقدم اعتذاره لمراسل (كركوك ناو) كاروان الصالحي  بسبب طرده من احدى المدارس بينما كان يؤدي عمله الصحفي   تصوير: اعلام ادارة محافظة كركوك

كاروان الصالحي

على مرأى ومسامع طلاب الصف الأول الابتدائي، طردنا ثلاثة أفراد حماية بالمسدسات وأسلحة الكلاشينكوف من بوابة المدرسة وكأننا مجرمون، وذلك بعد أن منعنا المدير العام للتربية الذي تعامل معنا بفظاظة من تغطية مراسيم بدء العام الدراسي الجديد. هكذا بدأت القصة لكن نهايتها كانت مختلفة.

لم نعرف لحد اللحظة لماذا كان مدير التربية غاضباً الى تلك الدرجة، فجأة تعكر مزاجه وحدث ما حدث في دقيقتين فقط بختام مراسيم بدء العام الدراسي (2021-2022) التي جرت في الأول من تشرين الثاني في مدرسة الكندي الابتدائية بمدينة كركوك.

أنا كاروان الصالحي، أعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 10 أعوام، وخلال معظم تلك الفترة كنت أعمل لمؤسسة(كركوك ناو) التي تهتم بالمواد و والأحداث في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لانتهاكات، لكن الأمر المختلف في هذه المرة هو أن الانتهاك لم يحدث في جبهات القتال أو خلال التظاهرات، بل حدث في مركز تربوي ومن قبل المسؤول الأول عن قطاع التربية في مدينتي.

 قبل حدوث الانتهاك

انطلاق العام الدراسي الجديد كان بالنسبة لي ولمؤسستي الاعلامية خبراً يستحق التغطية، نظراً لأن الدراسة في العام الفائت كانت متقطعة وكان القسم الأكبر منها الكترونياً بسبب تداعيات وباء كورونا.

في اليوم الذي سبق بدء العام الدراسي، تمت دعوتنا لحضور مراسيم قرع جرس بدء العام الدراسي في مدرسة الكندي وذلك عن طريق رسالة نُشِرت في مجموعة محادثة خاصة بصحفيي كركوك على واتساب.

 مدير عام تربية كركوك عبد علي طعمة ينتهك حقوق الصحفيين

 بعد أخذ موافقة غرفة أخبار (كركوك ناو)، تواجدنا في مدرسة الكندي في حدود الساعة 7:40 دقيقة صباح يوم 1 تشرين الثاني 2021. لم أكن الوحيد هناك، فقد حضرت ايضاً عدسات قناة العراقية، الأناضول وقناة كركوك الفضائية.

اعتدنا كل عام على بث مراسيم انطلاق العام الدراسي بصورة مباشرة من داخل احدى المدارس.

بدأت البث على صفحة (كركوك ناو) في موقع فيسبوك في الساعة 7:51 دقيقة، استمر البث لأكثر من 43 دقيقة، خلال المراسيم كان المدير العام لتربية كركوك عبد علي طعمة على علم منذ البداية بتواجد وسائل الاعلام في المدرسة.

وصلت المراسيم لنهايتها، دُعي مدير التربية لقرع جرس بدء العام الدراسي، حمل الجرس وأراد أن يقف خلف المنصة، لكن ممثل احدى شركات الاتصالات التي قدمت المساعدة للمدرسة ولتربية كركوك طلب من المدير أن يقرع الجرس أمام المنصة لكي يظهر بصورة واضحة في الكاميرا.

هذه الكلمات كانت كافية لتعكير مزاج المدير، فأجاب بغضب وقال "أنت الذي تعلمنا ماذا نفعل... أم أننا من يجب أن نعلمكم.."، أراد ذلك الشخص أن يوضح بأنه لم يقصد الإساءة لكن مدير التربية قال "أريد أن أواصل من هنا."

مع آخر الكلمات التي قالها، غادر عبد علي طعمة مكانه قرب المنصة وتوجه الى وسط ساحة المدرسة حيث كان الطلاب واقفين في ثلاثة صفوف، بينه طلاب يألفون جو المدرسة للمرة الأولى في حياتهم، وهم أكثر من يحتاجون للهدوء والسكينة.

صر المدير على موقفه بطردنا، فما كان الا أن طردونا من بوابة ساحة المدرسة أمام أنظار الطلاب وبمساعدة أفراد الحماية الثلاثة

وهو يقرع الجرس، مر مدير التربية من أمام الطلاب يتبعه ثلاثة من أفراد الحماية يرتدون الزي المدني، أحدهم كان يحمل سلاح كلاشينكوف والاثنان الآخران بحوزتهم مسدسات، بعد ذلك عاد مدير التربية الى الصحفيين، كان بثي متواصلاً، وقال لنا وهو يهز اصبعه "أريد أن يبقى اعلام التربية فقط هنا، لا أريد اعلاميي القنوات الفضائية هنا... هيا اخرجوا".

وقال أيضاً "على أي أساس تمت دعوتكم، هل حصلتم على الموافقات، هيا اخرجوا، أتيتم هنا لكي تعلمونا ماذا نفعل، تضعون لنا الشروط... تدخلون المدارس على هواكم."

مراسل قناة العراقية الشبه حكومية أظهر له التصريح، لكن مدير التربية مزق التصريح ورمى به.

أصر المدير على موقفه بطردنا، فما كان الا أن طردونا من بوابة ساحة المدرسة أمام أنظار الطلاب وبمساعدة أفراد الحماية الثلاثة.

 ديار طالب، مراس قناة كركوك الفضائية، كان أحد الصحفيين الذين تم طردهم، وقال "نطالب بالتحقيق إزاء هذه المعاملة غير اللائقة."

 الضجة التي اعقبت الحدث

غادت مع زملائي الآخرين مدرسة الكندي، وبعد إبلاغ مؤسستي الاعلامية عن الانتهاك الذي ارتكبه مدير التربية وصلت الى مدرسة علي مردان الابتدائية للتغطية المباشرة لمراسيم بدء العام الدراسي في قسم الدراسة الكوردية.

غرفة أخبار (كركوك ناو) لم تتوانى عن نشر الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحفيين موثقة بالتصريحات والأدلة، وتلك كانت بداية الضجة التي أثارها ذلك الحدث، ليس في كركوك فقط بل في العراق.

xwendnga-1

كركوك/ 1 تشرين الثاني 2021/ مدير عام تربية كركوك ينتهك حقوق الصحفيين على مرأى ومسامع طلاب مدرسة الكندي الابتدائية  تصوير: كركوك ناو

بث (كركوك ناو) وثّق مجمل تفاصيل الحادث، من ضمنها تواجد أفراد حماية المدير العام بالأسلحة أمام الطلاب، وانتشرت صور ومقاطع (كركوك ناو) المصورة في وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

فرع كركوك لنقابة الصحفيين العراقيين استنكر في بيان الانتهاك وطالب مدير التربية بتقديم توضيح فوراً.

جمعية الدفاع عن حرية الصحفيين في العراق، أدانت مستندةً الى أقوالي ذلك الانتهاك وطالبت بفتح تحقيق ومساءلة مدير التربية.

كما اصدر مكتب كركوك للمنظمة الدولية لحقوق الانسان بياناً جاء فيه، " التصرف الذي قام به المدير العام أمام أنظار طلاب مدرسة ابتدائية بتقويض دور الصحفيين والاعلاميين، يخالف مبادئ حرية الصحافة وحقوق الانسان التي ينص عليها الدستور ويجب أن يقدم اعتذاره."

كما استنكرت عدة شخصيات وجهات أخرى طريقة تعامل مدير التربية، وأعربوا عن دعمهم لصحفيي المؤسسات الاعلامية، بالأخص مؤسسة (كركوك ناو).

محافظ كركوك راكان سعيد قال لمدير التربية أن ما قام به تجاه الصحفيين لم يكن لائقاً

من جانبه كشف وزير التربية العراقي علي حمدي الدليمي في بيان بأنه تحدث هاتفياً مع مدير تربية كركوك عبد علي طعمة وطلب منه أن يتعامل بصورة لائقة مع الصحفيين لأن الاعلام يلعب دوراً مهماً في نقل الصورة الزاهية للمؤسسات التربوية.

وأضاف الوزير بأنه لا يسمح لأحد بدخول حرم المدرسة بالسلاح معرباً عن شكره للمؤسسات الاعلامية.

 المحافظ مستاء

بعد طردنا من المدرسة، أرسلنا صور وفيديو الانتهاك الذي ارتكبه مدير التربية الى مجموعة محادثة خاصة بـ(العلاقات الحكومية في كركوك) على واتساب.

مروان العاني، مسؤول الاعلام والعلاقات العامة لإدارة محافظة كركوك  و دلير شواني، مستشار المحافظ لشؤون العلاقات والاعلام ساعدانا لإيصال احتجاجاتنا إزاء الانتهاك الذي ارتكب بحقنا الى محافظ كركوك.

في الساعة 12:30 من بعد ظهر نفس اليوم، اتصل دلير شواني بي و بالصحفيين الآخرين وقال بأن المحافظ يريد أن يلتقي بكم.

وصلنا الى مبنى المحافظة في غضون نصف ساعة، واستقبلنا هناك محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري، وبعد مشاهدة الصور والفيديوهات والاطلاع على تفاصيل الحادث، قال لنا "في البداية أوجه اعتذاري لكم، لأنكم كصحفيين كنتم عوناً لنا في المناسبات وانتم اشخاص بارزون ومعروفون في هذه المدينة."

وطلب المحافظ استدعاء مدير التربية لكي يسمع منه شخصياً ما حدث ولكي يلتزم الحيادية. وتم الاتصال عن طريق مستشاريه بمدير تربية كركوك عبد علي طعمة الذي وصل الى ديوان المحافظة خلال 15 دقيقة.

 مدير التربية قدم اعتذاره

كنا في غرفة المحافظ حين جاء مدير التربية، كان الارتباك بادياً على ملامحه، وقال له راكان سعيد، "ما قمت به تجاه الصحفيين لم يكن لائقاً، هؤلاء لم يأتوا الى هناك لغرض سيء، بل أرادوا تغطية مراسيم بدء العام الدراسي الجديد."

1 تشرين الثاني 2021/ مدير عام تربية كركوك يقدم اعتذاره عن انتهاكه لحقوق الصحفيين

حاول مدير التربية إلقاء اللوم بشأن غضبه واسلوب تعامله على ممثل احدى شركات الاتصالات الذي كان متواجداً في المراسيم، ثم تحجج بأنه لا يسمح لوسائل الاعلام بدخول المدارس وقال بأنه طلب منا المغادرة بأسلوب مهذب، لكننا أبطلنا أقواله بعد عرضنا لفيديو الحادث."

وقال المحافظ لمدير التربية بأنه كان لزاماً عليه أن يتعامل مع الصحفيين بصورة لائقة وطلب منه أن يعتذر منا، فقبلنا بشرط أن نسجل اعتذاره وننشره عن طريق مؤسساتنا الاعلامية.

قمت بنشر اعتذار مدير التربية على صفحة (كركوك ناو) والذي يقول فيه، "أقدم اعتذاري للصحفيين والاعلاميين في جميع أنحاء العراق وفي محافظة كركوك"، وكرر اعتذاره مرة أخرى.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT