أبدت الحكومة الاتحادية العراقية موافقتها على فتح مأوى للنساء المعرضات للعنف، وذلك بعد جهود حثيثة ومتواصلة من قبل ناشطين ومدافعين عن حقوق المرأة.
فتح الملجأ، حسب انتصار كريم، مسؤولة قسم التطوير والنساء في إدارة محافظة كركوك متوقف حالياً على الوقت وعدد من الأمور اللوجستية ومن المقرر أن يفتح المأوى أبوابه أمام النساء المعرضات للعنف والتهديد قريباً.
"جميع الاجراءات القانونية اكتملت والحكومة العراقية أبدت موافقتها، يتبقى فقط انتهاء أعمال إعادة ترميم المبنى وتوفير لوازم المأوى"، وتابعت انتصار، "سيتم افتتاحه رسمياً خلال الأيام القليلة المقبلة."
أهمية فتح مأوى للنساء المعرضات للعنف يكمن في أنه لن تكون هناك حاجة لنقل هؤلاء النساء الى الملاجئ الموجودة في بغداد والسليمانية من أجل حمايتهن، نظراً لأن الكثير من النساء المعنفات لم تكنّ ترغبن بنقلهن الى محافظة أخرى.
وفقاً لإحصائية حصلت عليها (كركوك ناو) من قيادة شرطة كركوك، سُجلت رسمياً منذ مطلع هذا العام قرابة 500 قضية عنف أسري في المحافظة.
المتحدث باسم قيادة الشرطة، الرائد عامر نوري، قال لـ(كركوك ناو)، "تلك القضايا الـ500 متنوعة، منها مشاجرات بين الأزواج، الخيانة الزوجية، أخذ الطفل من قبل أحد الطرفين والعديد من المشاكل الأخرى، بعض تلك القضايا حُسٍمت وبعضها لا تزال قيد التحقيق."
ويدعو ناشطو حقوق المرأة الى إطلاق حملة إعلامية تزامناً مع افتتاح المأوى، لكي تكون النساء المعنفات على علم بوجود مكان كهذا يوفر لهن الحماية. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه بعض منظمات الدفاع عن حقوق المرأة الى وجود العشرات من قضايا العنف والنساء المعنفات، لكن بسبب عدم توفر ملجأ يأويهن اضطررن للانضمام الى شبكات دعارة.
صبري حازم (26 سنة)، التي تعمل كـ"فتاحة فال" في أحد التقاطعات المرورية بمدينة كركوك، هي واحدة من عشرات النساء اللواتي دخلن في شبكات للدعارة خلال السنوات العشر الماضية.
صبرية، امرأة سمراء تبدو أكبر من سنها الحقيقي، "كنت في الـ19 حين تزوجت، حينها كان منزلنا يقع خارج مدينة كركوك، بعد عام على زواجنا، اتضح لي بأن زوجي يتعاطى المواد المخدرة.. كان يخبئها في غرفة مخصصة لتربية الحمام في سطح المنزل"، وأضافت صبرية، "كان يسيء معاملتي، وكان يضربني كل يوم بقسوة ويلكمني في وجهي ويقول فليعلم جميع الجيران بأنني أضربك، وفي أحد الأيام اضطررت الى الهروب من يده وعدت الى منزل والدي."
خلال تلك الفترة، حسب صبرية، كان زوجها يهدد والديها باستمرار ويطلب عودة صبرية الى المنزل دون أن تلجأ صبرية للمحكمة.
صبرية كانت وحيدة أمها وأبيها، بعد فترة توفي والدها، فاضطرت تحت التهديد للعودة الى منزل زوجها، " كان يهددني، لم يكن لدي أهل لكي يحموني فاضطررت للعودة اليه.... أكثر ما دفعني للعودة كان ابننا البالغ من العمر سنة واحدة."
كان يهددني، لم يكن لدي أهل لكي يحموني فاضطررت للعودة اليه
قصة صبرية مع زوجها كانت مليئة بالتعذيب والألم، لذا في أحد الأيام تركت طفلها الصغير ولجأت الى منظمة تعمل في مجال حقوق المرأة، والتي بدورها نقلتها الى ملجأ ببغداد حفاظاً على سلامتها.
لكن صبرية تقول أنها لم تكن تشعر بالراحة في ذلك الملجأ، "الملجأ كان يعج بكل أنواع النساء، اختلطت بمجموعة من النساء كن يعملن كـفتاحات فال في التقاطعات وقد تعرضن للاعتقال وأودعن في الملجأ."
بعد عامين، غادرت صبرية مأوى النساء في بغداد بناءً على رغبتها وعادت الى كركوك، هي الآن "تفتح الفال" في التقاطعات المرورية. "بعض الأشخاص يدفعون لي 10 آلاف دينار مقابل سماحي لهم بلمس جسدي."
تقول المنظمات بأن عدم توفر ملجأ مناسب وأمين للنساء المعرضات للعنف والتهديد سبب رئيسي لنشوء عشرات القضايا المشابهة لحالة صبرية.
وقالت صبرية، "في بعض الأحيان يقول لي بعض السواق بأنهم يمتلكون مزرعة ويطلبون مني المبيت عندهم في الليل، أحياناً لا أرفض طلبهم إذا لم يكن لدي المال للمبيت في الفندق."
من جانبها تقول انتصار كريم، "جهودنا المتواصلة لفتح مأوى للنساء خلال السنوات العشر الماضية جاءت بعد تفاقم حالات العنف ضد النساء في كركوك"، لكنها لم توضح نوعية الحالات التي سيستقبلها المأوى، كما لم يتبين فيما إن كانت لديهم تعليمات محددة بخصوص استقبال النساء.
سجاد جمعة، مسؤول مكتب كركوك للمفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق قال لـ(كركوك ناو)، "لدي علم بأن موعد افتتاح مأوى النساء قريب... هذه خطوة جيدة جداً، لأن حالات التهديد والعنف ضد النساء في كركوك كثيرة جداً."
حول الجهة التي ستتولى الاشراف على المأوى، قال سجاد جمعة، "سيكون تحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وسيتم تخصيص كادر متخصص لإدارة المأوى."
"ينبغي أن تطلق المؤسسات الاعلامية حملة موسعة أثناء افتتاح المأوى، لكي يصل الخبر الى مسامع النساء المعرضات للعنف، اللائي لا يجدن مكاناً يلجأن عليه"، حسبما قال سجاد جمعة.