"تبنيتُ إنشاء أول مكتبة بإدارة نسائية لحاجة تلعفر إلى متسعٍ ثقافي يختص بالمرأة وتطوير دورها الاجتماعي لاعتبارها أساس تطوير أي مجتمع".هكذا تتحدث ميعاد محمد، صاحبة مكتبة صوفيا، وهي أول مكتبة نسائية في تلعفر، لـ(كركوك ناو).
وتضيف "المكتبة تضم قسمين الأول خاص لبيع الكتب فهناك عناوين أدبية وعلمية وتاريخية واجتماعية مختلفة، والقسم الثاني (الملتقى) وهو مكان مخصص للمطالعة والهدف منه هو خلق مجتمع رائع للقارئات الشغوفات اللواتي يهوين القراءة ويشاركن الاهتمامات نفسها".
وتتابع ميعاد، وهي في العقد الثالث من عمرها "المشروع أكبر من كونه مكتبة، ففي الملتقى نطرح الأفكار المختلفة ونناقشها"، وتستدرك قائلةً "كأي مشروع واجهنا تحديات وصعوبات حيث انقسم المجتمع بين مؤيد وداعم وبين معارض ومحبط.. الداعمون وغير الداعمين كانوا وقوداً لي في الاستمرار والإصرار من أجل النجاح والتميز".
تنصح ميعاد قريناتها بـ"الاصرار على تحقيق اهدافهن (يفنىٰ العِـبادُ ولا تَفنىٰ صنَائِعُهم.. فَاختَرْ لِنَفسِكَ مَا يَحلُو بِهِ الأَثَرُ)".
ولم تغب المرأة التركمانية في تلعفر عن أداء دورها في إعادة الحياة إلى مدينتها المنكوبة، بعد تحريرها من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، حيث شارك العشرات منهن في حملات تطوعية لتنظيف القضاء وتشجيرها وإزالة شعارات الكراهية والعنف وصبغ المدارس والمؤسسات العامة.
الافندي.. أول مدربة للنساء في تلعفر
"ممارسة الرياضة للمرأة في قاعات رياضية خارج منزلها، وفي مجتمع عشائري محافظ، يعدّ ضرباً من المغامرة وحتى النضال". هكذا تصف رقية الافندي، مدربة رياضية في العقد الثاني من ربيعها.
وتوضح في حديثٍ لها لـ(كركوك ناو)، قائلةً "عُرضت عليّ فكرة تدريب النساء في قاعة رياضية، في خطوة تعدّ الأولى في تاريخ تلعفر، ولم تكنّ الموافقة عليها سهلة، حيث العادات والأعراف الاجتماعية السائدة التي رُبما تعارض هذه التوجهات".
وتضيف "الا أنني كنتُ واثقة من نفسي ومؤمنة بنجاح مشروعي، لذلك بادرنا بفتح قاعة (تايم جيم الرياضية للنساء) قبل ثلاثة أشهر تقريباً، ورغم التحديات التي نواجهها، الا أن هناك اقبالاً من النساء اللواتي يؤكدن باستمرار على استفادتهن من ممارسة الرياضة في القاعة".
وتشير إلى أن "الرياضة ليست حكراً على الرجال، بل أن الأطباء ينصحون بممارستها دوماً من قِبل الجنسين لانقاص الوزن ولبناء جسم صحي، والوقاية من الإصابة بالأمراض لا سيما مع تقدم العمر، بل ربما هي للنساء أكثر حاجة من الرجال لمنحهن قواماً رشيقاً".
أن تقود امرأةٌ سيارةً في مجتمع كتلعفر أمرٌ تترصده العيون وتتداوله الالسن باستغراب
ودخلت المرأة التركمانية في تلعفر، المعترك السياسي أيضاً، ووصلت خمس نساء منهن إلى قبة البرلمان في دورات انتخابية متعددة، وهن: إيمان محمد يونس السلمان، نهلة حسين الهبابي، ساجدة محمد يونس الأفندي، لليال محمد علي البياتي، وزليخة بكار.
امرأة تعمل سائقة سيارة أجرة في تلعفر
"أن تقود امرأةٌ سيارةً في مجتمع كتلعفر أمرٌ تترصده العيون وتتداوله الالسن باستغراب، وأن تعمل امرأةٌ -في تلعفر- سائقة أجرة فالأمر يعدّ ضرباً من الخيال، الا أنني لم اعِرْ اهتماماً لشيء، بل وجدتُ دعماً واسناداً من البعض، وها أنا أدخل في عامي الثالث وأعيلُ عائلتي مما اكسبه من تعبي" تقول أم أحمد، 50 عاماً.
وتتابع في حديثها لـ(كركوك ناو)، أن "الأشهر الأولى كانت صعبة للغاية، الجميع يشيرُ إليّ بالبنان والبعض يضحك ويستغرب من امرأةٍ تعمل سائقة أجرة، الا أن الأمر الآن اختلف وربما بات شبه طبيعي، كما أن الكثير من الطالبات والموظفات يفضلن الركوب معي على الركوب مع الرجال".
يبقى الطريق طويلا امام التركمانيات في تلعفر ونينوى لمواجهة العادات والتقاليد
واستحدث في شهر أيلول 2020، لجنة حكومية تحت عنوان (لجنة تمكين المرأة في تلعفر)، تتبع ديوان محافظة نينوى، وتتولى العمل على النهوض بدور المرأة في مختلف مجالات الحياة، إلا أنها تعاني من انعدام التمويل، وتقوم على أساس العمل تطوعاً.
كما شهد العام 2019، افتتاح مركز رعاية الإبداع النسوي في تلعفر، بتمويل من منظمة الهجرة الدولية IOM، أخذ على عاتقها دعم المواهب النسوية وتلبية احتياجاتها النفسية والاجتماعية، وتعزيز مشاركتها في الفعاليات الثقافية والإنسانية، الا أنه لم يستمر طويلاً.
وحسب التقديرات الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط الاتحادية، لعام 2018، فإن 250,236 نسمة من مجموع سكان تلعفر البالغ 511,004 نسمة، هم إناث بأعمار مختلفة.
"وعلى الرغم من ذلك، يبقى الطريق طويلا امام التركمانيات في تلعفر ونينوى لمواجهة العادات والتقاليد من اجل لعب دورهن الطبيعي كنصف المجتمع". بهذا التكهن ختمت ميعاد حديثها مع كركوك ناو.
ويقع تلعفر، الذي يسكنه نحو 450 الف نسمة، موزعة على مركز المدينة ونواحٍ ثلاث، على بُعد 69 كم شمال غرب الموصل، وجميع سكان مركزها من القومية التركمانية، فيما ينتشر العرب والأكراد في بعض النواحي والقرى التابعة له، مثل ربيعة، وزمار، والعياضية، وخضع القضاء لسيطرة تنظيم داعش زهاء ثلاث سنوات، واختطف المئات من سكانها، بينهم نساء واطفال.