"لا ينام ليله مَن يبصر ركام قلعتنا"، هكذا يختصر الشاعر التركماني محمد مشو اوغلو، ألم وحسرة سكان تلعفر على قلعة بلدتهم التي دمرّها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش).
ويغرّد مشو، قائلاً: "الطريق إلى القلعة يشبه الطريق إلى الجنة"، ليدعو في ختام قصيدته، مخاطباً القلعة "أجمعي الناس، وارسمي الفرحة على مُحيّاهم، وعيشي في الهيبة التي عهدناكِ بها".
وتعرضت القلعة للهدم والتفجير بشكل واسع على يد عناصر "داعش" بواسطة المتفجرات عندما سيطروا على قضاء تلعفر منتصف 2014.
عمليات التهديم والتفجير شملت اسوار القلعة الاثرية وبواباتها، بالاضافة إلى الابنية الحكومية التي كانت تقع داخلها بصورة كلية نهاية عام 2014.
بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، كانت القلعة تضم مقر البلدية والشرطة المحلية. واستخدمت القلعة نفسها كقاعدة عسكرية للقوات الأميركية في معركة تلعفر في 2005.
قلعةٌ أنشد لها الشعراء وتغنى بها الفنانين
"تدمير القلعة كان جزءاً من استهداف معالم نينوى، حيث دمرّ التنظيم مرقد النبي يونس وباب نركال بالموصل وأثار النمرود والحضر وغيرها.. داعش ارتكب هذه الفعلة ضمن سلسلة استهدافه للحضارات العريقة وتدميرها" يقول أمين عمر حيدر مدير أثار تلعفر.
ويكشف حيدر لـ(كركوك ناو) أن "القلعة كانت تخلو من مقتنيات أثرية، حين تفجير التنظيم لها، حيث تمّ إرسال جميع القطع الأثرية إلى بغداد، زمن النظام السابق، بناءً على طلب السلطات المختصة آنذاك".
ويتابع، ان "القلعة مرت بمراحل توسيع عديدة، في فترات مختلفة، كما تعرضت -بالمقابل- إلى عدة هجمات عبر التاريخ، أخرها ما أقدم عليه تنظيم داعش حيث دمرّ القلعة بالكامل، وجميع المباني التي كانت عليها، وكانت تعدّ مبانٍ تراثية، يرجع تاريخ أحدثها إلى ثلاثينيات القرن الماضي".
أنها رمز إنساني يوحد أطياف تلعفر
وعن اهميتها يفصح حيدر قائلاً "القلعة كان لها أهمية جغرافية لوقوعها على طريق القوافل بين العراق والشام، كما أنها كانت تقع على رابية مرتفعة ما كان يؤهلها للسيطرة على عموم مناطق الجزيرة، إلى جانب أنها كانت تقع على عين ماء، تساهم بإرواء مناطق واسعة من جنوب المدينة حيث بساتين تلعفر التي تشتهر بإنتاج التين والرمان، إلى جانب الحنطة والشعير".
ويؤكد أن "القلعة من المعالم المهمة في أثار العراق، منها انطلقت الشرارة الأولى لثورة العشرين ضد الانكليز، بالإضافة إلى أنها رمز إنساني يوحد أطياف تلعفر، وطالما أنشد لها الشعراء وتغنّى بها الفنانين".
ووقعت تلعفر تحت سيطرة تنظيم داعش في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها، إلى محافظات الوسط والجنوب وإقليم كوردستان وكركوك وتركيا، قبل أن يعاود نحو 60% منهم العودة إليها مجدداً بعد استعادتها من التنظيم في أب 2017.
قلعة ترتبط بأنهر بابل وأودية أشور
"يجمع سكان تلعفر على أن مجد الأجداد قد انصهر جميعه في القلعة، هذا النصب التاريخي الذي روته الدماء والقصائد وأغنيات الفرسان، كان الميزة الوجدانية الوحيدة التي تذكر الأجيال الجديدة بقيمة أن يكون الوطن وثيقة ودماء وإنهم اليوم ينحنون أمام هذه الوثيقة". حسبما يذكر المؤرخ العراقي حميد المطبعي.
ويقول لـ كركوك ناو، ان " هذه القلعة تنقل إلى الأجيال بالتوارث أو بسليقة الأقدار دروساً لا يمكن أن تنسى، دروساً تعلم العز وتعلم منطق القوة والحكمة، تعلمهم جميعاً أن القلعة لم تصب في هيكل من الجص الأبيض أو تزخرف بالحلان أو المرمر السنجابي من أجل أن تكون برج مراقبة لطرد لصوص الأسوار الآشورية وإنما القلعة موطن أنساب وحرمات ولهذه الأنساب والحرمات تواريخ مشتركة في أنهر بابل وأودية آشور".
تعرضت القلعة للهدم عدة مرات، بينها عام 1841 على يد والي بغداد إثر ثورة قام بها أهالي المدينة ضده. وكان محمد باشا اينجه بيرقدار قد احتل القلعة في هذه السنة وأمر بهدمها وجعلها قاعاً صفصفاً، وفعلاً تمَّ هدم جميع الأسوار والقِلاع التي تحيط بالقلعة، ولكن مع ذلك لم يحدث ضرراً بالغاً بالقلعة لحصانتها ومتانتها.
والثانية عام 1920، حيث هُدمت أسوارها ونقض بابها الرئيسي على يد الإنكليز. وكان هدفهم من رفع باب القلعة الرئيسي هو تمهيد الطريق لصعود سياراتهم على القلعة ووضعوا هذا الباب الأثري على الوادي الذي يجري فيه ماء العين لاستعماله كجسر صغير تعبر منه المارة.
اعمار القلعة بمثابة اعادة الروح لتلعفر
"هذه القلعة التاريخية كانت جميلة وشامخة قبل أن يقدم داعش على نسفها، وهذه دعوة للحكومة العراقية واليونسكو بالعمل على اعادة ترميمها لما لها من مكانة تاريخية عريقة، فهي الهوية الحضارية لتلعفر والمطالبة باعمارها مجدداً أمر في غاية الأهمية" يقول الناشط التركماني عمار حسن.
ويضيف لـ(كركوك ناو) "على المنظمات الدولية والجهات المحلية المعنية السعي بجدية لاعادة اعمار القلعة التي كانت أكبر مشتركات سكانها بل يمكن أن نعتبرها بوابة المصالحة المجتمعية التي تتحدث عنها المنظمات باستمرار وتسعى لتحقيقها.. وبالتالي فإن اعادة اعمارها بمثابة اعادة الروح لتلعفر".
ووعدَ محافظ نينوى نجم الجبوري خلاله حضوره احتفالية في تلعفر، في 2 شباط 2022، بالعمل على إدراج اعادة اعمار قلعة تلعفر ضمن خطة 2022.
بحسب المصادر التاريخية، فإن قلعة تلعفر الأثرية بُنيت في العهد الاشوري وعُرفت المدينة حينها بـ (نمت عشتار) وتعني (مزرعة الآلهة عشتار) أو (جنة الآلهة عشتار)، فيما جدد الرومان بناية القلعة وحكموا أسوارها.
اعادة بناء القلعة وفق ما تتناسب ومكانتها التاريخية مطلب جماهيري
وجدد الخليفة مروان بن محمد الثاني آخر خلفاء الأمويين والذي كان والياً على منطقة الجزيرة بناء القلعة وسميت بـ(قلعة مروان) حتى ظنَّ البعض أن القلعة بنيت في العصر الأموي، وكان مروان قد تولى الولاية على هذه المنطقة سنة 102هـ / 720م.
ومساحة القلعة 28 ألف متر، وكانت محاطة بأسوار رئيسية وثانوية الرئيسي منها عرضه 3,30 متر وارتفاعه زهاء 6 أمتار، وهذه الأسوار كانت مشيدة من جص خالص وأحجار بصورة متقنة كل الإتقان وفي أركان السور الرئيسي كانت ترتفع أربعة أبراج تسمى (أبراج الزوايا) وبين هذه الأبراج الكبيرة أبراج ثانوية.
وقبل 2014، ونتيجة للأوضاع الأمنية المتدهورة التي كانت تشهدها تلعفر، جُعلت من القلعة مجمعاً للدوائر الحكومية، حيث كانت تضم قائممقامية القضاء، ومجلسه المحلي، ومقر قوة حماية تلعفر (الجيش العراقي) ومديرية الشرطة، والنجدة، والمحكمة، وقسم مكافحة الإرهاب، ومبنى التلفزيون المحلي التابع لشبكة الإعلام العراقي (شبه حكومي).
"اعادة بناء القلعة وفق ما تتناسب ومكانتها التاريخية مطلب جماهيري، وهذه دعوة للمنظمات المعنية لا سيما اليونسكو، فالقلعة تمثل إرثاً إنسانياً ورمزاً حضارياً كبيراً ليس لتلعفر وسكانها والتركمان فحسب، بل للعراق أجمع، واعادة بنائها ستكون خطوة لتعزيز الوحدة والمحبة والسلام في المدينة" بحسب مدير اثار تلعفر، أمين عمر حيدر.