على ارض جامعة في الموصل غرس أنس الطائي المدير التنفيذي لمشروع عين الموصل الذي ينفذ مبادرة "الموصل الخضراء" بعد أن صارت حقيقة بالنسبة لفريق لم ينكفئ خلف التغريدة التي كانت سببا في انطلاق المشروع ليحظى بعدها بدعم من مركز الازمات الفرنسي.
يقول الطائي لـ كركوك ناو: "لم نتحمل رؤية غابات الموصل تتضاءل لطالما عرفت هذه المدينة بغاباتها وخضرتها فانطلقنا الى سد ثغرة لم يعر اليها المعنيون بالا رغم أهميتها وخطورتها بالنسبة لمدينة وبلد يعد اول المتأثرين بالتغير المناخي".
وكانت الموصل قد خسرت بعد عام 2003 الاف الأشجار بسبب الإهمال الحكومي والاضطرابات الأمنية التي حالت دون تكثيف غاباتها وزراعة المزيد من المساحات بل العكس حيث تمدد العمران بشكل عشوائي الى مزارع تخلت عن خضرتها ليحل محلها "كونكريت" البيوت والبناء.
كنا اول من انجز إجراءات التعاقد مع عين الموصل لزراعة كليتنا بالأشجار ضمن مشروع الموصل الخضراء
على مساحة تمتد لأكثر من 800 دونم تقع غابات الموصل التي تحاذي نهر دجلة اذ تقطعت أشجار من هذه الغابات وبيعت كحطب اثناء سيطرة "داعش" عليها كما احترق تعمدا أجزاء منها. الامر الذي دفع فريق عين الموصل الى تعويض هذه الأشجار وانشاء غابات موزاية مصغرة تكون بمثابة رئة تمد المدينة بنفس نقي.
وبحسب إحصاءات غير رسمية فقد خسرت الموصل منذ عام 2003 وحتى الان اكثر من 50 بالمئة من اشجارها او مساحاتها الخضراء. وترتفع النسبة هذه في عموم العراق الذي احتضن قبل 50 عام مساحة خضراء اخذت 60% من مساحته الاجمالية فتقلصت بفعل الحروب والتسيب الحكومي الى مساحة لا تزيد عن 5% الان. وهو واحد من خمسة بلدان تعتبر أكثر بلدان في العالم تأثرا بهذا التغير بحسب ملتقى الموصل الخضراء الدولي.
وغطى تراب جامعة التقنية الشمالية في الموصل جذور اول شجرة كانت ضمن (5000) شجرة أدخلها الفريق الى المدينة بعد عناء كبير تمثل في تعقيدات دخول الأشجار واستلامها. لتكوين غابات مصغرة في الجامعة والانطلاق منها الى المؤسسات الحكومية كافة بالإضافة الى المساجد والمعابد والكنائس والاديرة وعبر توقيع اتفاقيات مع الجهة المستفيدة تنص على توفير وسائل الري والإدامة للأشجار المزروعة.
الاعمال هذه استغرقت قرابة عام كامل لتبدأ بعدها عملية زراعة اول شجرة بتاريخ 30/11/2021 بيد محافظ نينوى نجم الجبوري الذي ابدى استعدادا غير مسبوق للمشروع بحسب أعضاء المشروع.
تقول الدكتورة علياء العطار رئيس الجامعة التقنية الشمالية في الموصل، لـ كركوك ناو "كنا اول من انجز إجراءات التعاقد مع عين الموصل لزراعة كليتنا بالأشجار ضمن مشروع الموصل الخضراء وكل مكان سيصله المشروع سيوصف بالأخضر لذا سنطلق على كليتنا الكلية الخضراء".
ويعي أعضاء "الموصل الخضراء" خطورة انتظار المستقبل الذي يهدد بجفاف أكبر وتصحر اكثر دون الالمام بأسباب مواجهة هذا الخطر. وعن استعداد الموصل لهذا المستقبل يتحدث عبد العزيز صالح أحد أعضاء الفريق "نحن نحب هذه المدينة كثيرا لذا نسعد برؤيتها خضراء مستقبلا فيعشقها من يزورها كما عشقناها نحن سابقا".
وتستخدم أنواع عديدة من الأشجار التي يزرعها المشروع مثل ( السرو الفضي, البيزيا, فلفل الزينة) ويلف كل مكان نوع معين من الأشجار التي تناسبه وبحسب ظروف المكان بعد مشاورة اختصاصيين يستعين بخدماتهم رئيس المشروع الحاصل على شهادة الهندسة الزراعية من جامعة الموصل.
وبحسب زراعيين واكاديميين بإمكان مجموعة صغيرة من الأشجار أن تقلل درجات الحرارة بنسبة 5 درجات مئوية في محيطها.
دفعني مشروع الموصل الخضراء الى المساهمة في المشروع لاني أرى فيه مستقبلي ومستقبل اطفالي
وأتم "الموصل الخضراء" الى يومنا هذا زراعة ما يقترب من 10 الاف شجرة بدأ بالمؤسسات الحكومية وصولا الى الاحياء التراثية وشوارع المدينة ولم ينته بالوصول الى نواحي واقضية نائية من مثل اسكي موصل وتلعفر والحمدانية وربيعة وبعاج وغيرها بل سيشمل محافظة نينوى بأكملها بعد تنفيذ مراحل المشروع ودون توقف. وتعاون المشروع مع دائرة البلدية في الموصل وقسم الزراعة والغابات لتكثيف الغابات وتعويض خسائرها السابقة.
من يزرع؟
لم تتوقف عروض المشاركة في مشروع "الموصل الخضراء" والتبرع من ميسورين داخل المدينة أو حتى مغتربين. فامطر الناس الرسائل بطلبات المشاركة على صفحة "عين الموصل" التي يديرها أنس الطائي مدير المشروع منذ بدأ الحديث عن المبادرة قبل عامين وحتى هذا الوقت.
جمع عبد الله العبيدي أموالا من أقرباء له في العائلة وانطلق لشراء 500 شتلة من شجرة "الأس" فوضعها على عربة خشبية وبدأ بتوزيعها للمواطنين داخل السوق القديم "باب السراي" ويأخذ تعهد منهم بزراعتها والاهتمام بها.
عبد الله يحدثنا "دفعني مشروع الموصل الخضراء الى المساهمة في المشروع لاني أرى فيه مستقبلي ومستقبل اطفالي افضل تجاه مشكلة يفكر بها العالم اجمع".
وشارك في زراعة الأشجار أكثر من 1500 متطوع إما من خلال تقديم المشروع أشجارا لمتطوعين يقومون بزراعتها في مناطقهم أو مشاركتهم في اعمال الزراعة في المناطق التي يستهدفها المشروع.
سفيان المشهداني موظف في دائرة مرور نينوى لا يألو جهدا في الاهتمام بمنطقته أسكي موصل التي تحتفي بمواقع اثرية مهمة من مثل الجسر العباسي ويسعى الى استغلالها والاهتمام بها وجعلها مقصدا سياحيا. نال سفيان فرصة الحصول على عدد من الأشجار ووضعها على جانبي الطريق العام وشارك صورها وهي تنمو مع أصدقائه على الفيس بك.
يقول أنس الطائي " في وقت امتلأ فيه غلافنا الجوي بالعواصف الترابية فرحنا بتعاون الناس معنا وهذا يدل على وعيهم وادراكهم أهمية المشروع. يبعثون لنا صور الأشجار وهم فرحين لان حياة الأشجار تؤثر على سلوكهم واحيانا يتكفلون بتنفيذ أنابيب الري أو سقيها يدويا أو يزيدون الاعداد عبر شراء المزيد من الأشجار.. جميل أن نحرك هذا الجانب لدى الناس وعلينا أن نستغل كل مساحة يمكن أن تزرع بالاشجار".
ملتقى دولي "للموصل الخضراء"
على خشبة مسرح جامعة الموصل نظمت "عين الموصل" ملتقى الموصل الخضراء الدولي لتغير المناخ والتحديات. شارك السفير الفرنسي "إريك شوفاليه" وعضو في البرلمان الأوربي في الملتقى عبر الفيديو بالإضافة الى اكاديميين ورؤساء منظمات من العاصمة الإيطالية روما لكن القنصل التركي في الموصل محمد كتشوك الذي كان حاضرا في الملتقى كشف أمام الحضور عن مشروع مشاركة تركيا زراعة 200000 الف شجرة ستقدم لمدينة الموصل مع تطويرها مستقبلا لتصل الى مليون شجرة.
وقبل الملتقى حصلت مبادرة "الموصل الخضراء" من جامعة سانت اندراوس البريطانية على جائزة أفضل مبادرة ملهمة للسلام لتعرضها في متحف السلام التابع للجامعة كأنموذج لعمل المجتمعات في تعزيز السلام.
وعزم القائمون على المشروع الى تنفيذ كافة مراحله حتى يصل الى هدف تحويل الموصل الى خضراء وفي مراحله الأولى ستزرع على ارضها أكثر من مليون شجرة ستسهم في صدّ شيء من عواصف ترابية اجتاحت العراق خلال شهر واحد ثماني مرات ويرى خبراء بأن الغبار سيستحوذ على أجواء العراق خمسة أشهر خلال السنة الواحدة في عام 2050 وهذا الخطر يكفي للتحرك سريعا وبالطاقة القصوى.