كشفت أبرشية السريان الكاثوليك في الموصل عن نزوح 30 عائلة مسيحية من أهالي قضاء الحمدانية بسهل نينوى من ديارها منذ مطلع تموز الحالي، وطالبت إدارة محافظة نينوى بضرورة توفير الخدمات وفرص العمل لمنع حدوث هجرة عكسية للمسيحيين.
الكشف عن هذه الإحصائية جاء بعد زيارة النائب الأول لمحافظ نينوى سيروان روزبياني لأبرشية السريان الكاثوليك في الموصل واجتماعه مع المطران مار يوسف عبا وعدد من رجال الدين المسيحيين في 26 تموز، حيث نوقشت فيه سبل الحد من نزوح المسيحيين.
"نشعر بالحزن والأسى لسماع الأخبار التي تتحدث عن الهجرة المستمرة للمسيحيين رغم مساعينا لحثهم على البقاء في ديارهم"، حسبما جاء في بيان لنائب المحافظ. وشدد روزبياني أن "رجال الدين كشفوا بأن ما يقرب من 30 عائلة مسيحية غادرت قضاء الحمدانية خلال هذا الشهر (تموز)".
قضاء الحمدانية –مركز القضاء في ناحية قرقوش- يقع جنوب شرق مدينة الموصل، ويشكل المسيحيون غالبية سكانها، فيما يعيش الشبك والايزيديون في معظم القرى التابعة للقضاء.
صلاح سركيس، كاتب وصحفي مسيحي في قضاء الحمدانية، قال لـ(كركوك ناو)، ان "عدد العوائل النازحة خلال هذا الشهر أكثر من 30 عائلة، وأنا واثق من أن العدد سيزداد قريباً".
حول سبب موجة النزوح، قال صلاح سركيس، ان " عدم توفر فرص العمل وعدم إعمار المنطقة سببين رئيسيين، إضافة الى التوتر الأمني الذي شهدته المنطقة مؤخراً".
شهد هذا العام استهداف المعسكر التركي المتاخم لقضاء الحمدانية في سهل نينوى بالصواريخ مرات عديدة اضافة الى حدوث خروقات أمنية أخرى وتصريحات زعمت أن مجاميع مسلحة خارجة عن القانون استهدفت مدينة أربيل بالصواريخ.
وقال سركيس،ان "المسيحيون يخشون تعرضهم للهجوم من قبل قوة أخرى مماثلة لتنظيم داعش الذي هاجم المنطقة واستهدف المسيحيين في 2014".
عندما فرض تنظيم داعش سيطرته على سنجار والمناطق الأخرى في نينوى عام 2014، وضع المسيحيين أمام ثلاثة خيارات: اعتناق الاسلام، دفع الجزية أو مغادرة مناطقهم دون أي أمتعة، لذا اختار معظمهم النزوح.
عدد المسيحيين قبل عام 2003 كان يصل الى مليون وخمسمائة ألف، لكن عددهم تراجع الى 250 ألف شخص
بعد استعادة مناطقهم من قبضة مسلحي داعش، عاد قسم من المسيحيين الى الموصل وسهل نينوى، لكن قسماً منهم غادر العراق بصورة نهائية.
حسب إحصائيات الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان، عشرات الآلاف من العوائل المسيحية النازحة لم تعد حتى اليوم الى ديارها، الى جانب هجرة آلاف العوائل الأخرى - 24 ألف عائلة في نينوى فقط- الى خارج العراق.
يشكل المسيحيون نسبة 7 بالمائة من مجموع أكثر من 600 ألف نازح مقيم في اقليم كوردستان، ويشكل سكان الموصل ومناطق نينوى الأخرى 40 بالمائة من مجموع النازحين.
تضرر منزل صلاح سركيس في قرقوش أثناء حرب داعش ويقول أن إحدى المنظمات قدمت له 60 بالمائة من كلفة ترميم المنزل وتكفّل هو بالباقي.
ويضيف بأنه مثال للعديد من سكان الحمدانية الذين استأنفوا حياتهم وعمروا منازلهم المدمرة على نفقتهم الخاصة، في حين أن القانون يلزم الحكومة العراقية بتعويض المتضررين جراء حرب داعش.
وزارة المالية العراقية قررت في 26 تموز الحالي صرف مبلغ 19 مليار و 464 مليون دينار كتعويضات لمتضرري محافظة نينوى وشدد المسؤولون الإداريون في المحافظة على أن عملية توزيع التعويضات على المشمولين ستبدأ قريباً.
عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، علي البياتي، قال في بيان نشر في شهر آذار الماضي أن عدد المسيحيين قبل عام 2003 كان يصل الى مليون وخمسمائة ألف، لكن عددهم تراجع الى 250 ألف شخص، يقيم اغلبهم في اقليم كوردستان.
"40 بالمائة من المسيحيين عادوا من اقليم كوردستان الى مناطق سهل نينوى بعد استعادتها من قبضة داعش، وتعيش 80 عائلة فقط في مركز مدينة الموصل"، بحسب البياتي.
مسؤول في أبرشية السريان الكاثوليك في الموصل قال يوم الخميس، 28 تموز، لـ(كركوك ناو)، "نزوح المسيحيين من الحمدانية وسهل نينوى متواصل، السبب الأول هو تهميش المسيحيين والأقليات بصورة عامة في العراق، فضلاً عن التحديات الاقتصادية وقلة فرص العمل وعدم تعويض المتضررين".
حسب البيانات التي حصل عليها موقع (كركوك ناو) من إدارة نينوى، يسعى 90 ألف مدني متضرر للحصول على تعويضات لكن 11 ألف و خمسمائة فقط حصلوا عليها.
حسب علمي، المنظمات المحلية والدولية تقدم الدعم للحمدانية وأطرافها، بالأخص في مجال الإعمار وترميم المنازل والأماكن الدينية المقدسة
المسؤول في أبرشية السريان الكاثوليك في الموصل، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال "وجود نقاط تفتيش تابعة للميليشيات في سهل نينوى ومحاولات التغيير الديموغرافي في المناطق المسيحية من الأسباب الأخرى التي تجعل المسيحيين لا يشعرون بالأمن والاستقرار"، دون أن يتهم جهة معينة بالضلوع في محاولات التغيير الديموغرافي.
"يخشى المسيحيون أن يتم استهدافهم مجدداً من قبل مجاميع وقوى مسلحة..."، بحسب المصدر.
نائب محافظ نينوى لشؤون النازحين والمنظمات، علي كعبو، قال لـ(كركوك ناو)، ان "من كثر الاهتمام الذي نوليه للمناطق المسيحية، يشتكي منا سكان المناطق الأخرى ويقولون لماذا تُنفذ أغلب المشاريع في مناطق المسيحيين.... حسب علمي، المنظمات المحلية والدولية تقدم الدعم للحمدانية وأطرافها، بالأخص في مجال الإعمار وترميم المنازل والأماكن الدينية المقدسة".
"الناس أحرار في اختيار البقاء أو الهجرة، لا اقول بأن كل شيء متوفر لهم، لكن الخدمات وفرت للمناطق المسيحية الى حد جيد"، بحسب علي كعبو.
لكن النائب الأول لمحافظ نينوى، سيروان روزبياني، قال "يجب على الجميع العمل للحد من نزوح المسيحيين، لأن نزوح المسيحيين قد يشجع الأقليات الأخرى على النزوح مستقبلاً".