هزار قادر (51 سنة) من سكنة قضاء كفري التابع لإدارة كرميان، هزار موظف في إحدى الدوائر الحكومية دفع مبلغ 60 ألف دينار مقابل الحصول على بطاقة التلقيح التي تمنح بعد تلقي جرعتين من لقاح كوفيد-19. هزار أصبح بحوزته بطاقة التلقيح دون أن يأخذ حتى جرعةَ واحدة.
هذا الموظف الذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي خشية تعرضه للعقاب، قال "لا أؤمن بضرورة تلقي اللقاح وأرى بأنه يضر بصحتي، لذا لست مستعداً لتلقي اللقاح، وعوضاً عن ذلك دفعت المال للحصول على البطاقة لأن الحكومة قررت مساءلة الموظفين الذين لا يمتلكون بطاقة التلقيح".
الآن بات بمقدور هزار تسيير معاملاته دون مشاكل بالبطاقة التي حصل عليها.
هزار ليس الوحيد، بل أن مئات المواطنين والموظفين الحكوميين ضمن إدارة كرميان حصلوا على البطاقة من محافظات صلاح الدين وديالى عن طريق مجموعة من الأشخاص.
سازان محمد (24 سنة)، موظفة بعقد في مركز أكاديمي بكرميان، اشترت بطاقة التلقيح بمبلغ 100 ألف دينار في كركوك.
"أخشى من تلقي اللقاح وشراء بطاقة التلقيح لم يسبب لي أية مشكلة... بطاقتي رسمية ومسجلة في وزارة الصحة"، بحسب سازان.
هناك العديد في كرميان ممن حاولوا الحصول على البطاقة دون أخذ جرعات اللقاح
المتاجرة ببطاقات التطعيم ضد كوفيد-19 شائعة في كرميان، لكن الجهات الحكومية لا تدير للأمر بالاً وتقول "الموضوع مجرد إشاعة ولم تسجل حتى الآن قضية من هذا النوع".
عباس عبدالعزيز، نائب مدير عام صحة كرميان قال بأنهم سمعوا أن البعض من أهالي مناطق طوزخورماتوو يأتون ببطاقات التلقيح من محافظتي صلاح الدين وكركوك مقابل المال، لكن لا يوجد بين ايديهم شيء رسمي أو قضية مسجلة.
"نظام تسجيل بطاقة التلقيح في اقليم كوردستان يختلف عن المحافظات العراقية. أي شخص يتم تسجيل اسمه في محافظات العراق لا يظهر اسمه عندنا والعكس صحيح"، واعترف نائب مدير عام صحة كرميان أن هناك العديد في كرميان ممن حاولوا الحصول على البطاقة دون أخذ جرعات اللقاح، لكن لم يسمح لهم بذلك.
اسماعيل حسن (اسم والده مستعار)، من سكنة قضاء طوزخورماتوو بمحافظة صلاح الدين كشف أنه باع حتى الآن العديد من بطاقات التلقيح للمواطنين.
حول كيفية إصدار بطاقة التطعيم ضد كوفيد-19 بالمال ودون أخذ جرعات اللقاح، قال اسماعيل، "نُئثر على شخص من أقاربنا أو معارفنا، نأخذه لأحد المراكز الصحية ونكون قد اتفقنا مسبقاً مع الشخص المسؤول عن إعطاء حقنة اللقاح وضع كمية من الماء ي الحقنة بدلاً من جرعة اللقاح، أو يضع جرعة اللقاح في الحقنة لكن بدل حقن ذراع الشخص يرش الحقنة على الأرض".
وأوضح اسماعيل: "ندفع مبلغاً من المال للمنتسب المسؤول عن اعطاء الحقنة ويعطينا ضمانات بأنه سيسجل اسم الشخص الذي تصدر له بطاقة التلقيح في نظام بيانات وزارة الصحة العراقية".
كفري/ 16 أيار 2021/ مواطنون بانتظار تلقي اللقاح في مركز تطعيم ضد كورونا بقضاء كفري تصوير: سامان كريم
دائرة صحة محافظة صلاح الدين نفت وجود مثل هذا النوع من الاتجار في المحافظة. نائب مدير عام صحة صلاح الدين أشار الى أن كل مركز تطعيم يعمل فيه أكثر من منتسب والعملية تمر بعدة فلاتر تضمن تلقي الشخص للّقاح قبل أن تصدر له بطاقة التلقيح.
الدكتور أحمد علي، نائب مدير عام صحة صلاح الدين والذي يشغل أيضاً منصب مدير مستشفى طوزخورماتوو العام، قال "نحن أيضاً سمعنا بهذه القضية. تابعنا الأمر ولم يتسن لنا الحصول على اثباتات".
ولفت الى أن هناك قسماً للتدقيق في دائرتهم وأن هناك محاسبة شديدة للمتورطين في مثل هذه الأمور، وأضاف "وضعنا كاميرات مراقبة في كافة المراكز الصحية لمنع حدوث هذه المخالفات".
لكن اسماعيل حسن، الذي جلب بنفسه بطاقات تلقيح عدة مرات في طوزخورماتوو، يقول "الغرض من قيامنا باصطحاب شخص للمركز الصحي بقصد تلقي اللقاح هو التحسب لمسألة كاميرات المراقبة".
أية قضية تحصل في مناطق خارج إدارة اقليم كوردستان تتولى الآسايش التحقيق فيه
لا تتوفر إحصائية رسمية بعدد الأشخاص الذين حصلوا على بطاقات التطعيم ضد كوفيد-19 في كرميان، لكن الإحصائيات غير الرسمية تقدّرعددهم أكثر من ألف شخص.
الأشخاص الذين يحصلون على بطاقة التلقيح بهذه الطريقة، أغلبهم من موظفي الدولة، أو الأشخاص الذين يحتاجون للبطاقة لغرض السفر خارج العراق ولا يريدون إصدارها بصورة رسمية في كرميان.
الاقبال على هذا النوع من الاتجار زاد بعد أن أصدرت الحكومة قراراً يشترط على جميع الموظفين حيازتهم لبطاقة التلقيح. اللجنة العليا لمواجهة كورونا بموجب القرار رقم (31) الصادر في تشرين الأول 2021 ومجلس وزراء اقليم كوردستان بموجب القرار رقم (118) الصادر في 27 من نفس الشهر ألزما كافة الموظفين بإصدار بطاقة التلقيح، بخلاف ذلك يتعرضون للعقوبة أو يحرمون من الراتب.
البعض من الموظفين في كرميان لجأوا للطرق غير القانونية ودفع مبالغ مالية مقابل الحصول على بطاقة التلقيح، بسبب خوفهم من أخذ اللقاح أو عدم ثقتهم به.
الناطق باسم مديرية شرطة كرميان، علي جمال قدوري، قال بأن الشرطة لها علم بالموضوع، لكن الشرطة لم تردها قضايا من هذا النوع وأن هذه القضية من اختصاص الآسايش (الأمن)، "أية قضية تحصل في مناطق خارج إدارة اقليم كوردستان تتولى الآسايش التحقيق فيها".
من جانبها، لم تفتح الآسايش قضايا متعلقة بهذا الموضوع ولم تجري متابعة لها.
المتحدث باسم مديرية آسايش كرميان يقول "نحن ايضاً سمعنا بذلك لكن لم يلق القبض على أي شخص بتهمة الضلوع فيها ولم تجري متابعات لأن مديرية الصحة لم تطلب من الآسايش متابعة الموضوع".
وفقاً لإحصائية لمستشفى قلا (القلعة) الخاص بالأمراض المعدية في كلار، في عموم منطقة كرميان توفي 472 شخص جراء الإصابة بكورونا خلال سنة و10 أشهر (من حزيران 2020 لغاية نيسان 2022).
تفشي وباء كورونا في المنطقة عرض حياة الآلاف للخطر، وعدم تلقي اللقاح والحصول على بطاقة التلقيح بطرق غير قانونية يفاقم المخاطر.
الدكتور أحمد سعدي، اختصاصي الأمراض الباطنية وخبير في فيروس كوفيد-19 يؤكد أن هذه القضية تهدد صحة المجتمع.
"أخذ جرعة واحدة فقط من اللقاح يؤدي الى بناء مناعة ضد الفيروس" وحذر من أن "الأشخاص الذين يتنصلون من أخذ اللقاح معرضون للإصابة بكورونا بصورة أشد".
في كرميان، عدد الأشخاص الذين حصلوا على بطاقات التلقيح بصورة غير قانونية أقل مقارنةً بالذين حصلوا عليها بعد تلقيهم جرعات اللقاح.
تشير إحصائية للمديرية العامة للصحة في كرميان الى أن 77 ألف و200 شخص تلقوا اللقاح في الفترة من آذار 2021 لغاية تشرين الأول 2022، وهذا العدد يمثل نسبة 19.3 بالمائة من إجمالي سكان المنطقة.
حسب إحصائيات وزارة الصحة، في عموم العراق تلقت نسبة 19.6 بالمائة من مجموع السكان جرعتين من لقاح كوفيد-19 حتى نهاية شهر أيلول الماضي.
التمعن في أعداد الذين حصلوا على بطاقة التلقيح بصورة غير قانونية ودون أخذ جرعات اللقاح يضع الشك حول صحة النسبة التي أعلنتها الحكومة العراقية، لأن هناك العديد ممن سجلت أسماؤهم في نظام بيانات وزارة الصحة دون تلقي أية جرعة.
ملاحظة: هذه المتابعة أجريت من قبل الصحفي سامان كريم في إطار مشروع متجذرة في الثقة (Rooted in Trust) الذي يُنفذ من قبل منظمة (انترنيوز) بالاشتراك مع (كركوك ناو)
