العقم والموت والتجسس على المواطنين من دول "أجنبية"، واثار جانبية أخرى للقاح كورونا، إشاعات دفعت أبو بشير وعلي رسول لتنظيم حملات توعوية في مخيمات النزوح، والمناطق التي شهدت عودة ساكنيها بعد رحلة نزوح بسبب الحرب و"داعش".
أبو بشير اصيب بفيروس "كورونا"، اثناء تواجده بمخيم (عربت) للنازحين بمدينة السليمانية، يقول: "كنتُ على شفى حفرة من الموت، لم أدرك قيمة اللقاح الا بعد تأكيد إصابتي بالفايروس. خشيتُ على اطفالي فهم يعيشون في خيمة ولا أحد سيعيلهم بعدي".
يقع المخيم ضمن حدود ناحية عربت، شرق مدينة السليمانية المحاذية لإيران شمالي العراق، عائلة ابو بشير وعوائل نازحة أخرى استقرت في المخيم منذ عام 2014 بعد اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، لعدد من المدن العراقية.
"قالوا لي ان اللقاح سيجعلني عقيما لهذا كنت اتجنبه"، يقولها أبو بشير وهو يتكئ بظهره على وتد خيمته وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة، "صدقتهم وكدت ان اموت بسببهم".
اريد بيئة امنة لأطفالي لهذا حاولت ان اوعي المخيم بضرورة اخذ اللقاح
في عموم محافظة السليمانية، يوجد 136 ألف و 390 نازح اضافةً الى 32 ألف و 263 لاجئ سوري.
11 ألف و 518 نازح موزعين على أربعة مخيمات هي (آشتي، عربت، قوره توو و تازه دي)، كما يعيش تسعة آلاف و 565 لاجئ في مخيم عربت. أما بقية النازحين واللاجئين يقيمون في مركز مدينة السليمانية والأقضية والنواحي.
بعد شفاء أبو بشير(40 عاماً)، وهو نازح من محافظة كركوك، ساهم في توعية الخيم القريبة من خيمته حول أهمية اخذ اللقاح واستطاع ان يقنع بعضهم، ويوضح: "كانوا يخافون من اخذ اللقاح بسبب الشائعات التي كانوا يتداولونها".
أبو بشير وهو اب لثلاثة أبناء، كان يقضي ساعات وهو يتجول بين الخيام ويتحدث عن أساليب الوقاية من الفايروس، ويقول: " اريد بيئة امنة لأطفالي لهذا حاولت ان اوعي المخيم بضرورة اخذ اللقاح".
حكومة اقليم كوردستان اشترطت منذ مطلع العام الجاري على كل مواطن يراجع الأماكن العامة والدوائر الحكومية أن تكون بحوزته بطاقة التلقيح أو بطاقة فحص كورونا.
النسب متفاوته .. تصل الى 20 بالمائة للذين تلقوا اللقاح في كركوك
"تشاع الكثير من الأفكار الخاطئة حول لقاحات كورونا على الرغم من حملات التوعية التي تنظمها دائرة الصحة في كركوك. نسعى دائماً الى زيادة عدد الملقحين لكننا نحتاج الى تعاون المواطنين معنا للحد من عدد الوفيات والاصابات اليومية"، يقول مدير إعلام دائرة صحة كركوك.
كركوك هي اولى المحافظات العراقية التي سجلت اصابات بفيروس كورونا لمواطنين عراقيين، وعند دخول اللقاح الى العراق، وفرت صحة المحافظة جميع انواعه، لكن غالبية المواطنين لايثقون بفاعليته بحسب النسبة التي اعلن عنها، مدير إعلام الصحة سامان يابة، الذي أكد ان " نسبة الملقحين بجرعتين اوثلاث وصلت الى 16% بما لايتجاوز 260 الف ملقح".
يقول يابة، ان "المخاوف غير منطقية لدى الناس".
في غضون ذلك يقول صباح نامق، مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة كركوك خلال برنامج إذاعي في إطار مشروع متجذرة في الثقة (Rooted in Trust) الذي تنفذه منظمة إنترنيوز بالشراكة مع مؤسسة (كركوك ناو)، أن "نسبة الملقحين في كركوك لم يصل حتى الآن الى 20 بالمائة وهذه نسبة قليلة جداً مقارنةً بالدول الأخرى وليست في مستوى طموحنا"، مبيناً ،أن "للإشاعات تأثيرات مباشرة".
انتشار الاشاعات حول اللقاح بأنه مضر بالصحة ويؤدي الى الموت او انه وسيلة تجسس من دول اجنبية على المواطنين
علي رسول الذي يسكن مدينة كركوك، فقد أحد اصدقاءه قبل ان يصل اللقاح اليه، فقرر توعية أكبر عدد ممكن من الناس واقناعهم بأن اللقاح سيحافظ على حياتهم وحياة احباءهم. يتذكر علي قائلاً "حين تلقيت خبر موت صديقي تمنيت لو ان علاجاً او لقاحاً توفر لإبعاد شبح الموت عنه".
بعد ان أعلنت وزارة الصحة توفر اللقاح بادر علي بالتوعية بضرورة التلقيح لئلا تتكرر تجربة الفقد مع غيره من الناس، تعاون علي لمدة أربعة اشهر مع منظمة مدخل العراق الصحي ودائرة صحة كركوك واسس فرقاً في كل من الحويجة والدبس وداقوق.
هذه الفرق تكونت من 3 موظفين من المنظمة و5 موظفين من المؤسسات الصحية في كل منطقة كانوا يجوبون الشارع ويطرقون أبواب المنزل املا منهم في اقناع المواطنين بأخذ جرعة من اللقاح " حاولنا اقناع 60 الفاً من المستحقين للقاح الا اننا في نهاية المبادرة وصلت نسبة الملقحين 32% من الرجال و19% من النساء في الحويجة والدبس وداقوق".
في 22 آب 2021، اشترطت إدارة كركوك، مستندة الى قرار مجلس الوزراء العراقي، على الموظفين أخذ لقاح كورونا للسماح لهم بالدوام، فيما شددت على عدم تسيير معاملات مراجعي الدوائر ما لم تكن بحوزتهم بطاقة التلقيح أو بطاقة فحص كورونا.
ويعفى من القرار الأشخاص الذين لديهم تقارير طبية تثبت أنه يتعذر عليهم أخذ اللقاح، أو من لم تمر ثلاثة اشهر على إصابتهم بفيروس كورونا.
ويرى الناشط المدني والمدافع عن حقوق الانسان بشدار اركان ان أولويات الساكنين في المناطق المحررة هي الاستقرار الامني والاقتصادي وهذا ما ادى الى تراجع نسب الملقحين، كذلك "انتشار الاشاعات حول اللقاح بأنه مضر بالصحة ويؤدي الى الموت او انه وسيلة تجسس من دول اجنبية على المواطنين".
الانبار دخلتها الجائحة في الوقت الذي لازال عدد من مواطنيها يسكنون المخيمات التي بلغ عددها 27 مخيماً قبل اغلاق اخرها العام الماضي. بلغت نسبة التلقيح في الانبار حوالي 30% ونظمت دائرة الصحة حملات تلقيحية في المخيمات وافتتحت منافذ توفر اللقاح داخلها.
الدكتور محمد صباح مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة الانبار يؤكد توفر اللقاح بأنواعه الثلاثة في كافة المنافذ التلقيحية الا ان " اقبال المواطنين على اخذ اللقاح ضعيف جداً لعدم وجود ما يوجبهم على اخذه".
ويضيف صباح قائلاً: "يكثر الاقبال على اللقاح حين يزداد عدد الإصابات لكن قلة الإصابات تقلل من خطورة الفايروس في ذهن المواطنين وبالتالي تقلل عدد الملقحين. بعض القرارات الحكومية ساهمت في زيادة عدد الملقحين مثل الزامية اللقاح لموظفي الدوائر الحكومية لكننا لم نتخطى حتى الان حاجز ال 394 ألف ملقح بجرعتين او ثلاثة".
الناشط في مجال إغاثة النازحين احمد الكربولي يؤكد ان "موجات النزوح اثرت على قناعات المواطنين وترتيب اولوياتهم فهم مهتمون بترميم الخراب الذي حل بمدنهم غير ابهين بالوضع الصحي رغم خطورته".
واجهنا صعوبة في استقطاب المواطنين في بادئ الامر لكن قرارات التلقيح لموظفي دوائر الدولة ساهمت في تشجيع الناس على اخذ اللقاح
الحال في نينوى قد لايختلف كثيراً عن الانبار وكركوك ومخميات النزوح في السليمانية، وعلى الرغم من وفرة اللقاح والمنافذ التلقيحية بالقرب من المخيمات والاحياء السكنية الا ان نسبة متلقي اللقاح في نينوى بلغت ما يقارب 18% بواقع ما لا يتجاوز ال410 الف ملقح بجرعتين او ثلاثة حتى الان بحسب احصائيات دائرة صحة نينوى.
اما المخيمات فقد ارتفعت نسبة الملقحين وتصل الى أكثر من 90% بواسطة المنافذ التلقيحية التي استحدثت من قبل دائرة الصحة بالقرب من المخيمات وحملات التوعية التي نظمت داخل المخيمات، بحسب تصريحات لمسؤولين في صحة المحافظة.
عشرات المنافذ التلقيحية وفرتها وزارة الصحة في محافظة ديالى، لكن يبقى اقبال المواطنين متدني، بسبب انشغال عامة الناس وخصوصاً النازحين بالجوانب الاقتصادية والخدمية والامنية في المحافظة.
يقول مدير إعلام صحة ديالى، فارس العزاوي، ان " جميع أنواع اللقاحات متوفرة فيما يقارب الـ80 منفذاً تلقيحياً في مختلف ارجاء المحافظة الا ان اقبال المواطنين على اللقاح كان ضعيفاً".
"واجهنا صعوبة في استقطاب المواطنين في بادئ الامر لكن قرارات التلقيح لموظفي دوائر الدولة ساهمت في تشجيع الناس على اخذ اللقاح".
بلغت نسبة الملقحين في محافظة ديالى 22% بواقع 284 الف ملقح بجرعتين او ثلاث جرع حتى الآن وهي نسبة تراها الناشطة المدنية رفل الجبوري قليلة بسبب اهتمام المواطنين بأمور أخرى كالوضع الاقتصادي والخدمي والأمني، وتضيف قائلة "يهتم من كان نازحاً وعاد الى منزله بعد التحرير بتوفير قوته اليومي وعدم تكرار تجربة النزوح وقد يكون اخر ما يفكر فيه هو تلقي اللقاح الذي يراه بلا فائدة ملموسة".
الناس في المناطق المحررة ينسون اموراً مهمة ما ان يتم التغاضي عنها بسبب الوضع الأمني السابق والحالي
العمل التطوعي والفرق الجوالة في كافة المحافظة مهمة خصوصة في صلاح الدين وبمناطق عودة النازحين، ما دفع مدير اعلام صحة المحافظة الى المطالبة بتكرار هذه التجربة في الوقت الحالي.
ويقول عمر غسان مدير اعلام صحة صلاح الدين ان "نسبة الملقحين بمختلف أنواع اللقاحات ضد فايروس كورونا وصلت الى ما يقارب ال40% أي ما لا يتجاوز 285 الف ملقح بجرعتين او ثلاث جرع".
ويؤكد على توفر اللقاح في المحافظة بوفرة وان نسبة الملقحين في تزايد مستمر وملحوظ وقد ساعدت الفرق الجوالة في ارتفاع نسبة الملقحين في الآونة الأخيرة حسب رأيه.
ويضيف غسان "يجب ان تتكرر تجربة الفرق الجوالة في كافة المحافظات وبالخصوص المحافظات التي يكثر فيها النازحين والمخيمات ويجب استمرار حملات التوعية لتشجيع الناس على الحفاظ على حياتهم".
الناشطة البيئية بتول علي والتي قادت عدة حملات توعوية بفائدة اللقاح تؤكد على أهمية استمرار التوعية، وتقول، ان " الناس في المناطق المحررة ينسون اموراً مهمة ما ان يتم التغاضي عنها بسبب الوضع الأمني السابق والحالي".
فيما يخص مخيمات النزوح في أربيل ودهوك والسليمانية والتي يبلغ عددها 26 مخيما، فقد تواصلنا مع وزارة الصحة في إقليم كوردستان لأكثر من مرة لكنها لم تزودنا ببيانات ونسب للملقحين داخل المخيمات عازية سبب ذلك الى عدم توفر الاحصائيات لديها.