نسبة الإقبال في صفوف نازحي سنجار وسهل نينوى على تلقي لقاح كوفيد-19 تقترب من الصفر بسبب عدم توفر اللقاح في أغلب المخيمات وكذلك تأثر البعض من المواطنين بالإشاعات والمعلومات المضللة.
كوجر أحمد متو (31 سنة)، نازحة من أهالي مجموع دوكري التابع لقضاء سنجار، وهي تعيش في مجمع شاريا بدهوك منذ أكثر من ثمان سنوات، رغم أن كوجر أصيبت بالفيروس مرتين لكنها لم تتلق حتى الآن اللقاح.
"في نيسان 2020 وكانون الأول 2021 أصبت بكورونا، في المرة الأولى تدهورت حالتي الصحية كثيراً لكن في المرة الثانية دامت الأعراض لعدة أيام فقط، مع ذلك إذا لم أواجه ضغوطاً كبيرة فلن أتلقى اللقاح لأنني لا أؤمن به"، هذا ما قالته متو التي ترى ان الذي أخذوا اللقاح "أصيبوا بكورونا بعد فترة وبعضهم فارقوا الحياة".
تردد النازحين في تلقي لقاح كوفيد-19 يأتي رغم استمرار تسجيل حالات الاصابة بالفيروس، حيث أصيب 85 ألف و892 شخص بكورونا منذ مطلع العام 2022 لغاية 24 تشرين الثاني 2022، حسب الإحصائيات الرسمية لحكومة اقليم كوردستان التي تحث المواطنين على أخذ اللقاح معتبرة ذلك طريقة رئيسية وفعالة للوقاية منه.
ولم تخف كوجر متو وقوعها تحت تأثير الإشاعات التي تنتشر حول اللقاح، "بالتأكيد الإشاعات والمعلومات المضللة كانت من أسباب امتناعي عن تلقي اللقاح، في الوقت الحاضر لا أحد يقبل على التطعيم"، لكن زوج كوجر تلقى اللقاح مضطراَ، حسبما قالت، بسبب إجراءات المكان الذي يعمل فيه.
يأوي مخيم شاريا 12 ألف و 947 نازحاً، فضلاً عن 12 ألف و 900 آخرين يعيشون خارج المخيم، ووفقاً لإحصائيات مركز شاريا الصحي، 11 ألف و 30 شخص فقط تلقوا اللقاح.
مجموع الملقَّحين في مجمع ومخيم شاريا هو 11 ألف و 29 شخص ممن تلقوا الجرعة الأولى فقط من اللقاح
شمال جميل حسو، إداري في مركز شاريا الصحي يقول، "حالياً نسبة تلقي اللقاح بين النازحين يقرب من 2 أو 3 بالمائة، الأغلبية لم تتلق اللقاح بسبب انتشار المعلومات المضللة والإشاعات المتعلقة باللقاح".
وأوضح شمال أن المواطنين في مجمع شاريا يعتقدون أن وباء كورونا انتهى لذا يمتنعون عن أخذ اللقاح، "في حين تُسجل في اقليم كوردستان 50 حالة إصابة يومياً، صحيح أن نسبة الإصابة تراجعت لكن كورونا لا زال موجوداً".
في شباط من هذا العام، وصل عدد المواطنين الذين تلقوا جرعتين من لقاح كورونا في شاريا ومعظمهم نازحون، الى ألف و 625 شخص، لكن في شهر تشرين الأول كان عددهم 46 شخص فقط، في شهر شباط بلغ عدد المراجعين 50 شخصاً في اليوم الواحد، أما في تشرين الأول فعدد المراجعين شخص أو شخصان، حسب الإحصائيات الرسمية لمركز شاريا الصحي.
وقال شمال جميل حسو، "مجموع الملقَّحين في مجمع ومخيم شاريا هو 11 ألف و 29 شخص ممن تلقوا الجرعة الأولى فقط من اللقاح، أما الذين تلقوا جرعتين عددهم ثمانية آلاف و548 شخص، في حين كان عدد الذين تلقوا ثلاث جرعات 59 شخصاً فقط".
يتواجد في اقليم كوردستان أكثر من 600 ألف نازح، قسم منهم متوزعون على 26 مخيماً للنازحين، حسب إحصائيات مركز التنسيق المشترك للأزمات التابع لوزارة الداخلية في حكومة اقليم كوردستان.
حمدي أحمد (17 سنة)، طالب في الصف الحادي عشر الإعدادي، يعيش في مخيم مام رشان منذ أكثر من ثمان سنوات تلقى جميع افراد عائلته اللقاح باستثنائه، والسبب الرئيسي لعزوفه عن التطعيم كان حتى الآن، بحسب حمدي، انتشار المعلومات المضللة والإشاعات.
"انتشرت عشرات الإشاعات والمعلومات المضللة حول اللقاح، إحداها تقول أنه إذا أخذت اللقاح ستموت بعد بضعة سنوات أو ستصاب بمرض خطير أو ستصاب بالعقم، كما أن هناك الإشاعات حول المادة التي يصنع منها اللقاح".
هذا الشاب قرر عدم تلقي اللقاح بسبب الإشاعات والمعلومات الخاطئة، رغم أن جميع افراد أسرته، بضمنهم والده، والدته وأشقاؤه وشقيقاته حصلوا على اللقاح، "يطلبون مني مراراً سواء في البيت أو في المدرسة تطعيم نفسي باللقاح لكنني أخبرتهم جميعاً أنني لا أؤمن باللقاح ولن آخذه"، يقول حمدي أحمد.
عدد الذين تلقوا اللقاح في شهري أيلول وتشرين الأول كان 56 شخص و 35 شخص تباعاً
حمدي أحمد اصيب بفيروس كوفيد-19 مرتين، ويرى أنه "ربما سيكون تلقي اللقاح مفيداً لأن قسماً كبيراً ممن أخذوا اللقاح لم يتعرضوا حتى الآن لمشاكل صحية"، لكنه اشار الى سبب آخر وراء امتناع النازحين، بالأخص المقيمين في مخيم مام رشان وهو عدم توفر جرعات اللقاح لذا يضطر سكانه للجوء لأماكن أخرى.
يعيش سبعة آلاف و 617 نازح في مخيم مام رشان، وفقاً لآخر إحصائية رسمية حصل عليها (كركوك ناو).
وقال بير علو كجل، مدير مخيم خانكي، "في آذار من العام الحالي بالتعاون مع المنظمة العالمية للهجرة تم توفير اللقاح للنازحين في مخيم خانكي، واستمرت عملية التطعيم على مدار ثلاثة أشهر، دعم المنظمة دام بضعة اشهر حيث نفد اللقاح في المخيم منذ شهرين لذا يضطر الراغبوت بتطعيم أنفسم للذهاب الى قضاء سيميل أو مدينة دهوك".
يأوي مخيم خانكي 14 ألف و 282 نازحاً.
"ما بين 20 الى 25 بالمائة من النازحين المقيمين في خانكي لم يتلقوا اللقاح، 75 الى 80 بالمائة حصلوا على اللقاح، لو كان اللقاح متوفراً لزادت النسبة الى أكثر من 90 بالمائة، لكن عدم توفر اللقاح وتراجع نسبة الإصابة بكورونا، سببان رئيسيان وراء عدم تلقي جميع النازحين للقاح"، بحسب بير علو كجل.
في مخيمَي كبرتوو 1 و كبرتوو 2 اللذان يأويان 23 ألف و 663 نازحاً، تلقى خمسة آلاف و400 شخص من المركز الصحي الخاص بالمخيمين منذ شهر تشرين الثاني 2021 حتى اليوم.
نواف ناصو، موظف في قسم التطعيم في مركز مخيمي كبرتوو 1 وكبرتوو 2 الصحي، قال "في شباط 2022 حصل 830 شخص على اللقاح، في شهر آذار تلقى 679 شخص اللقاح، إذا قارننا بين العدد الحالي والسابق نلحظ تراجعاً كبيراً حيث أن عدد الذين تلقوا اللقاح في شهري أيلول وتشرين الأول كان 56 شخص و 35 شخص تباعاً".
يقول ناصو أن سكان المخيمات طُلِب منهم تلقي اللقاح عشرات المرات لكن الذين امتنعوا عن أخذه يرون أن كورونا انتهى أو لا يثقون بضرورة أخذ اللقاح، "من الأسباب الأخرى هو عدم اشتراط معظم الدوائر الحكومية على المراجعين حمل بطاقة التلقيح لتسيير معاملاتهم ما أدى الى تراجع الإقبال".
حكومة اقليم كوردستان قررت مطلع هذا العام اشتراط حمل بطاقة التلقيح أو بطاقة فحص كورونا من قبل المراجعين لتسيير معاملاتهم في دوائرها.
ويقول نواف ناصو أنه ابتداءً من 13 تشرين الثاني 2022، أي نازح يرغب في أخذ اللقاح يجب أن يذهب الى مركز دهوك أو قضاء سيميل، "لأن مراكز التطعيم في معظم المخيمات لم تعد موجودة بسبب انتهاء العقد المبرم مع المنظمات التي كانت تقدم الدعم المالي للمراكز الصحية".
الدعم المالي للمركز الصحي التابع لمخيمَي كبرتوو كان يقدم من قبل منظمة اليونيسيف واستمر حتى منتصف شهر تشرين الثاني 2022، لكن بعد انتهاء العقد أغلق مركز التطعيم.
في إدارة زاخو المستقلة (شمال غربي محافظة دهوك) توجد سبع مخيمات، عدد النازحين في إدارة زاخو 11 ألف و 626 عائلة تلقى 35 بالمائة منهم اللقاح، لكن مراكز التطعيم في المخيمات السبع اغلقت منذ شهرين.
أمير علي، مسؤول إعلام مستشفى زاخو العام قال "لم تعد هناك مراكز تطعيم في المخيمات الواقعة ضمن حدود إدارتنا منذ ما يقرب من شهرين، أي نازح يريد الحصول على اللقاح عليه مراجعة مركز قضاء زاخو".
لم نفصل في إحصائياتنا النازحين عن غيرهم، لكن بصورة عامة نسبة الملقحين في محافظة دهوك تصل الى 40 بالمائة
نسبة 60 الى 65 بالمائة من النازحين في زاخو لم يتلقوا اللقاح وإغلاق مراكز التطعيم يعود لسببين، "أحدهما يتعلق بتراجع إقبال النازحين على أخذ اللقاح والآخر يتعلق بغياب الدعم المالي"، بحسب أمير علي.
مسؤول إعلام مستشفى زاخو العام أوضح أن هناك الآن مركز تطعيم ضد كوفيد-19 في مركز زاخو للنازحين وأهالي المنطقة "لا نخطط لإعادة فتح مراكز تطعيم في المخيمات لأن الأمر يحتاج الى موارد مالية وبشرية".
وفقاً لإحصائيات عام 2018 عدد سكان محافظة دهوك مليون و292 ألف و535 نسمة، تلقى 40 بالمائة منهم اللقاح.
أفراسياب موسى، مدير عام صحة دهوك قال، "منذ اليوم الأول لبدء عملية التطعيم حتى الآن لم يكن هناك تمييز بين النازحين وأهالي المحافظة، ولم نفصل في إحصائياتنا النازحين عن غيرهم، لكن بصورة عامة نسبة الملقحين في محافظة دهوك تصل الى 40 بالمائة".
ولفت الى أن مراكز التطعيم بالمخيمات لم تغلق بصورة تامة، "ربما لم تعد موجودة في بعض المخيمات لكن النازحين بإمكانهم مراجعة أقرب مركز تطعيم للحصول على اللقاح".
عدد النازحين المقيمين في مخيمات دهوك يصل الى أكثر من 26 ألف عائلة فيما استقرت أكثر من 38 ألف عائلة نازحة خارج المخيمات.
ديان جعفر، مدير دائرة الهجرة والمهجرين والاستجابة للأزمات التابعة لحكومة اقليم كوردستان في محافظة دهوكن قال "النظام الذي كان موجوداً سابقاً في المراكز الصحية بالمخيمات حيث كان الدوام فيها من الساعة 2 ظهراً حتى 6 مساءً لا يتم العمل به في الوقت الحاضر، لم تبق مراكز تطعيم في أي من مخيمات دهوك بسبب انقطاع الدعم المالي المقدم من قبل المنظمات الدولية".
اسوةً بمسؤولي الصحة في دهوك شدد ديان جعفر على أن النازحين الراغبين بأخذ اللقاح يتوجب عليهم مراجعة مراكز المدن.
"طلبنا من صحة دهوك والمنظمات بضرورة توفير اللقاح في المخيمات لأن ظروف النازحين تختلف عن غيرهم وربما لن يكون بمقدورهم الذهاب الى مراكز المدن لتلقي اللقاح"، بحسب ديان جعفر الذي أضاف أن البيانات الخاصة بعدد الملقحين في صفوف النازحين لأن الجهات الصحية لا تفصل بين النازحين وغيرهم في تسجيل أسماء الملقحين.
المعلومات والبيانات المتوفرة تدل على أن الإقبال على أخذ اللقاح بين نازحي سنجار وسهل نينوى ضعيف لسببين، أحدهما عدم توفر اللقاح في معظم المخيمات وعدم وجود خطط لإعادة فتح مراكز التطعيم بالمخيمات، والثاني تأثير الإشاعات والمعلومات المضللة حول لقاح كوفيد-19. على النازحين والتي تبث الخوف بينهم وتثنيهم عن تلقي اللقاح.
هذه المتابعة أعدت من قبل الصحفي عمار عزيز في إطار مشروع متجذرة في الثقة "Rooted in Trust" الذي تنفذه منظمة إنتر نيوز بالتعاون مع (كركوك ناو).