أفضل خيار بالنسبة لناجي هرمز، تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي لحسم مصير إدارة مناطقهم والعيش بسلام في ديارهم.
ناجي من مسيحيي سهل نينوى، الذي يعاني منذ سنوات من وجود إدارتين وصراع مستمر بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان، حيث أن كل طرف يعتبر نفسه الأحق بأن يكون المهيمن وصاحب النفوذ في المنطقة.
"نعيش بين إدارتين، وهذا الذي اصبح يعيق إعادة إعمار مناطقنا، رغم تعرضنا للنزوح والحروب"، هذا ما قاله، ناجحي، مختار تلسقف لـ(كركوك ناو).
لا نحصل على تعويضات ولا يحسم مصيرنا، لذا يعزف المسيحيون عن العودة الى مناطقهم وهاجر الجزء الأعظم منهم
تقع منطقة تلسقف في سهل نينوى، على بعد 30 كيلومتراً شمال الموصل، وقعت تلسقف تحت سيطرة "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" أواسط عام 2014 ورزحت تحت سيطرة التنظيم لسنتين، لا زال أكثر من نصف سكانها نازحين. يقول ناجي، "نرغب في أن تُنفذ المادة 140 في منطقتنا بأسرع وقت، بالرغم من أن جزءاً قليلاً من المادة تم تنفيذها وفئة قليلة حصلت على تعويضات في إطار المادة".
حسب متابعات سابقة لـ(كركوك ناو)، ما يقرب من نصف مسيحيي نينوى هاجروا خارج العراق وتركوا ديارهم بسبب تهديدات داعش.
"حقوقنا تضيع منذ عقود، لا نحصل على تعويضات ولا يحسم مصيرنا، لذا يعزف المسيحيون عن العودة الى مناطقهم وهاجر الجزء الأعظم منهم"، ويرى مختار تلسقف أن المادة 140 هي الحل لـ"جميع" مشاكلهم.
تلسقف من الوحدات الإدارية التابعة لنينوى التي يرتبط مصيرها بتنفيذ المادة 140. بعد كركوك، يقع أكثر المناطق المتنازع عليها ضمن حدود محافظة نينوى، منها بعشيقة وأقضية سنجار، مخمور، تلكيف، شيخان، الحمدانية وتلعفر.
المناطق المتنازع عليها، مصطلح دستوري يستخدم للإشارة للوضع السياسي والإداري لمحافظة كركوك والمناطق التي تعرضت لتغييرات إدارية وديموغرافية بسبب سياسات الحكومة العراقية في الفترة من 1968 حتى 2003.
بموجب الدستور العراقي الذي أقر في عام 2005، يجب حسم مصير المناطق المتنازع عليها بعد ثلاث مراحل هي التطبيع، التعداد ومن ثم الاستفتاء لتقرير مصير المناطق المتنازع عليها، حسب المادة 140 التي كان من المفترض أن تنفذ حتى نهاية عام 2007.
تستند المادة 140 الى مضمون المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، والتي صدرت في نيسان 2004 وتتألف من ثلاث فقرات.
"نرى أن تنفيذ المادة 140 يصب في مصلحة جميع المكونات، بالأخص من ناحية التعويضات، لأن نسبة 15 بالمائة فقط من المكون الشبكي قد حصلت حتى الآن على تعويضات، ونسبة المتسفيدين من التعويضات من المواطنين العرب، المسيحيين والايزيديين قليلة أيضاً"، حسبما قال غزوان الداودي، العضو السابق في مجلس محافظة نينوى عن المكون الشبكي لـ(كركوك ناو).
المادة 140 لا تزال الخيار الأفضل لمكونات سهل نينوى، لأنه السبيل لاستعادة حقوقهم وخروجهم من حالة القلق التي يعيشون فيها منذ عقود
يقدر الشبك في العراق بحوالي 350 ألف شخص، يقطن أغلبهم في مناطق بعشيقة، برطلة، الحمدانية، تلكيف وقرى سهل نينوى، وهم كغيرهم من الأقليات الأخرى، تعرضوا لهجمات مسلحي داعش.
يقول الداودي أن تطبيق بنود المادة 140 بات أصعب بسبب التغييرات التي حدثت في نفوذ القوى السياسية والمسلحة"، حيث أن نفوذ الكورد تراجع كثيراً في نينوى، ما أثر سلباً على تنفيذ المادة".
وفقاً لبرنامج عمل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، ستتم إعادة تشكيل اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140، فضلاً عن تخصيص ميزانية وصرف المستحقات المالية للمستفيدين من المادة.
نبراس وليد محمد، صحفي من المكون العربي في ناحية فايدة التابعة لقضاء الموصل، يرى أن "المادة 140 لا تزال الخيار الأفضل لمكونات سهل نينوى، لأنه السبيل لاستعادة حقوقهم وخروجهم من حالة القلق التي يعيشون فيها منذ عقود، بسبب عدم حسم مصير مناطقهم بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم.
حسب الاحصائيات الرسمية بين أعوام 2007 و 2012، تمت إعادة أكثر من 136 ألف استمارة الى مكتب تنفيذ المادة 140 بنينوى والذي كان مقره في سنجار لكنه كان يشرف ايضاً على عدة لجان فرعية في مناطق أخرى تابعة للمحافظة.
"لا أتلمس خطوات عملية لتنفيذ المادة 140 في نينوى... قلة قليلة حصلت على تعويضات، عائلتي التي من المفترض أن تشملها التعويضات لم تحصل حتى الآن على دينار واحد، يتحدثون في وسائل الاعلام عن المادة 140 لكنه حبر على ورق، نحن نريد إعادة تفعيل الملف واتخاذ خطوات عملية"، يقول نبراس.
تعويض النازحين جزء من المرحلة الأولى لتنفيذ المادة 140، وذلك عن طريق عودة الذين تم ترحيلهم من كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، وكذلك تعويض العوائل التي تم إيفادها الى المحافظة.
كل عائلة ُمُرحّلة تمنح مبلغ 10 ملايين دينار، في المقابل تحصل العائلة الوافدة على 20 مليون دينار نظير عودتهم الى المناطق التي جاؤوا منها.
النائب الايزيدي في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، ماجد شنكالي، قال لـ(كركوك ناو)، "يجب تنفيذ المادة 140 لأنها مادة دستورية والمحكمة الاتحادية أمرت بتنفيذها، رغم أن الحكومة العراقية لم تعمل بجدية على تنفيذها، لكن هناك اتفاقاً في الحكومة الحالية على تنفيذها ويجب إعادة تفعيل اللجنة، ممن المقرر أن تستأنف اللجنة مهامها قريباً وتزور المناطق المتنازع عليها."
لم يُنفذ أي من المراحل الثلاث للمادة 140 في نينوى، عدد قليل حصل على تعويضات
تقطن غالبية الايزيديين في شيخان وسنجار، عددهم يقدر بـ500 ألف شخص، معظمهم لا زالوا نازحين، تعرض عدد كبير منهم للقتل والاختطاف بسبب هجمات داعش، ولا يزال مصير أكثر من ألفي ايزيدي مجهولاً.
الى جانب كون سنجار منطقة متنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، يعاني هذا القضاء داخلياً بسبب الصراعات السياسية والعسكرية، فضلاً عن وجود ثلاث إدارات رسمية وغير رسمية وثمان قوى مسلحة متعددة فيها.
"لم يُنفذ أي من المراحل الثلاث للمادة 140 في نينوى، عدد قليل حصل على تعويضات، لكن الأكثرية لم تستفد منها وتنتظر الحصول على التعويضات"، يقول ماجد شنكالي.
بخلاف نينوى، انقسمت الجهات السياسية العربية والتركمانية مع الكورد على جبهتين فيما يخص المادة 140 والتي يصفها بعضهم بـ"المنتهية الصلاحية"، رغم أن المحكمة الاتحادية شددت في عام 2019 على تفعيل المادة 140 من الدستور لحين اكتمال تنفيذ الاجراءات المتعلقة المادة.
روبينا أوميلك عزيز، نائبة في برلمان كوردستان وعضوة لجنة المناطق الكوردستانية خارج إدارة الاقليم –خاصة بشؤون المناطق المتنازع عليها- قالت لـ(كركوك ناو)، "عدد قليل جداً من المواطنين تم تعويضهم بموجب المادة 140 ... ولم يصلنا أي شيء رسمي حول إعادة تفعيل تلك المادة من قبل الحكومة العراقية، هذه الأمور لا تسير بالأقاويل بل تتطلب خطوات عملية".
وتعتقد روبينا بأن تنفيذ المادة 140 سيصبح سهلاً في حال نسقت الحكومة العراقية مع حكومة اقليم كوردستان.
اللجنة الدستورية لتنفيذ المادة 140 تشكلت في عام 2006 من مكونات العراق المختلفة، وافتتحت مكاتب لها في عدة محافظات، لكن ميزانيتها علقت العام الماضي وفي عام 2021 تم تخصيص أقل من 13 مليار دينار للجنة من أجل تسيير إجراءات تنفيذ المادة في الوقت الذي كانت تحتاج فيه لأكثر من 60 مليار دينار.