في العراق... قانون يحمي المغتصب ويعاقب الضحية

تصوير: Stefano Pollio، الصورة من موقع unsplash بتاريخ 14 أيار 2022

سازان مصطفى

عند اطراف محافظة بابل في ناحية الاسكندرية التابعة لقضاء المسيب  كانت تسكن صبا موسى  ذات (19) عاما ,وفي يوم من الايام عندما كانت تمارس عملها  الشاق  في جني المحاصيل  في احد الاراضي الزراعية القريبة من منزلها تعرضت إلى اعتداء جنسي قلب حياتها رأساً على عقب.

تقول صبا " لم ادرك ما حصل في ذلك اليوم عندما اعتدى عليّ ابن عمي، كنت اصرخ بصوت عال لكن  صوتي لم يكن كافياً ليسمعه أحد، لم يكن هناك احد بجانبي لينقذني" و رغم انها ضحية لكنها لم تك كذلك بالنسبة لشقيقها الذي  قرر ان يهديها عروسا لابن عمه "الجاني" الذي تزوجها في نفس اليوم دون الرجوع الى المحكمة أو المأذون الشرعي من اجل ان تبقى جريمة الاغتصاب طي الكتمان.

اجبرت صبا على الزواج بمجرم  لكنها لم تفكر باللجوء الى القانون لأنها تعرف بانه لن ينصفها تماما كما فعلت اسرتها، هكذا كانت تعتقد.

قانون ظالم

 المحامي محمد جمعة يوضح موقف المشرع العراقي  من جريمة الاغتصاب، حيث تنص المادة  (398) من قانون العقوبات العراقي  (اذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجنى عليها عد ذلك عذراً قانونياً مخففاً لغرض تطبيق احكام المادتين (130و131) عقوبات ,واذا انتهى هذا الزواج بطلاق صادر من الزوج بغير سبب مشروع او بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب تتعلق بخطأ الزوج او سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على الحكم في الدعوى يعاد النظر بالعقوبة لتشديدها بطلب من الادعاء العام او المجنى عليه او من كل ذي مصلحة).

وبحسب جمعة فان العشرات من الجناة استفيدوا  من  هذا النص القانوني ،مستذكرا قصة فتاة في مقتبل العمر تعرضت للخطف  والاغتصاب من قبل احد الاشخاص وبدل ان تحصل على مساندة اسرتها ومعاقبة الجاني خذلها والدها عندما قدم طلبا الى المحكمة يشير الى رغبة ابنته بالزواج من الجاني  وذلك بعد انقضاء  يومين من قرار المحكمة للحكم علية في جريمة الاغتصاب .

الشريعة الاسلامية تستنكر

يقول الشيخ صباح الحاجي :ان الاغتصاب هو أخذ الشيء ظلماً وقهراً، وأصبح الآن مصطلحاً خاصا بالاعتداء على أعراض النساء قهرا، و هي جريمة قبيحة محرمة في كافة الشرائع ، وعند جميع العقلاء وجميع النظم والقوانين الأرضية  وتوقع على مرتكبيها أشد العقوبات.

ويشير الحاجي ان موقف  الشريعة الاسلامية واضح بيِّن من تحريم هذه الفعلة الشنيعة، وإيقاع العقوبة الرادعة على مرتكبها  وقد أغلق  الاسلام جميع الأبواب التي يدخل من خلالها المجرم لفعل جريمته، مستنكرا مضمون المادة القانونية ( 398 )من قانون العقوبات العراقي التي تسمح بتزويج الجاني من ضحيته، وحول عقوبة الاغتصاب حسب الشرع اكد حاجي بان عقوبة حد الزنا تقام على الجاني.

وصمة عار

بسبب النظرة الدونية القاصرة  تجاه النساء في بعض المجتمعات قد تتعرض الكثير منهن الى القتل و لا فرق بين الضحية من غيرها، فقتل بعض النساء بداعي غسل العار امرا مقبولا ومرحبا به بالنسبة لهم لذلك يتسترون بتزويج الضحية من جلادها دفعا  للعار الذي قد يلاحق الضحية، وفقا لرأي الباحث الاجتماعي اراز هدايت، الذي يرى ان زواج المغتصب من الضحية ليس حلا واقعيا، وان الحل الصحيح  هو ازالة الحرج والقيود بما يضمن اعادة حق المرأة  في سمعتها وكرامتها  وقيمتها بعيدا عن قيود الشرف التي وضعها المجتمع وعليه ان يتقبلها ويدعمها بدلا من اعدامها وهي على قيد الحياة.

الاحزاب الاسلامية هي السبب

النائبة السابقة ريزان شيخ دلير، تقول: حاولنا تعديل مادة( 398 )من خلال عملي في مجلس النواب للدورات النيابية السابقة الثانية والثالثة  الا اننا لم نستطع،  وخلال الدورة النيابية الرابعة حيث كنت احدى عضوات  لجنة المرأة النيابية ،وصلنا مقترح تعديل المادة 398ذاتها وكان  مقدم من قبل رئيس الجمهورية ولكن ايضا وصل الى مجلس النواب وانتهت الدورة النيابية  ولم نستطع فعل شيء.

و تؤكد شيخ دلير وجود قوانين كثيره تحتاج الى تعديل أو الغاء لكن الامر صعب جدا  في ظل وجود الاحزاب الاسلامية المتمسكة بهذه القوانين  بحجة انها لصالح المرأة.

آثار نفسية وخيمة

الكثير من النساء ضحايا الاغتصاب لم يستطعن العودة الى الحياة بشكلها  الطبيعي بحسب الباحث النفسي أحمد جاف,

واوضح جاف: من الصعب  جدا اعادة ادماج الضحية في المجتمع مرة اخرى كما تظهر عليها  اعراض نفسية واضحة مثل نوبة الغضب والعدوانية والصراخ الدائم اضافة الى كوابيس خلال النوم مع القلق المستمر وبعض الضحايا يفكرن بالانتحار واخريات ينتحرن فعلا بسبب صدمة الاعتداء والتشوه الجسدي الذي تعرضت له على يد الجاني، ولكن الأعراض  النفسية للضحايا تختلف من ضحية الى اخرى ويلعب العمر دورا في ذلك فكلما كانت الضحية في سن مبكر  كلما اصبحت الآثار النفسية  اقوى تأثيرا بسبب البنيه النفسية والجسدية للضحية كما ان علاجها النفسي صعب.

مطالبات بتعديل القانون

تعتقد الناشطة هبة النائب ان المادة  (٣٩٨) من قانون العقوبات العراقي  تشبه عقوبة الفصلية التي تدفع من خلالها "المرأة" ثمن خطأ لم ترتكبه وهو عرف عشائري، تماما كما يتم تقديمها كهدية ومكافئة للمغتصب لإفلاته من العقاب بكل سهولة، وتؤكد النائب  بان هذه المادة القانونية تشجع الجناة على ارتكاب جرائم الاغتصاب.

وكانت  النائب  قد اطلقت في وقت سابق مع عدد من الناشطين والناشطات حملة الكترونية عبر احدى منصات التواصل الاجتماعي بعنوان  (الغاء المادة 398) استمرت لمدة (3) اشهر ،كما نظمت  وقفات احتجاجية  للمطالبة بإلغاء هذه المادة ،ورغم ان الحملة اخذت صداها لكن  مجلس النواب لم يحرك ساكن تجاه الامر .

لا يمكن للحياة ان تنتهي وقد تتراكم الالام لتصنع جسرا يمكن من خلاله العبور الى بر الامان تماما كما حصل مع صبا التي عاشت ظروفا صعبة لكنها في ثلاثة اشهر استطاعت ان تتحرر من سجن مغتصبها، وبدأت حياتها من جديد كامرأة عاملة قادرة على حماية نفسها على امل وجود قانون ينصف الضحية ويعاقب الجاني.

ومازالت الاصوات تتعالى وهي تطالب بتعديل النصوص القانونية المحرضة على العنف ضد النساء في العراق على امل تشريعات منصفة وعادلة.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT