تجمع الذباب والديدان على جثث الحيوانات النافقة، واختلاط المخلفات بمصادر المياه، وتصاعد أدخنة كثيفة وروائح كريهة، ما هي إلا مشاهد يومية سائدة في القرى الواقعة ضمن حدود إدارة كرميان بمحافظة السليمانية.
الشركات الخاصة بجمع النفايات تراجعت نشاطاتها في قرى كرميان، ما جعل التهديد الذي يشكله انتشار النفايات على مصادر المياه يزداد بمرور الوقت.
داليا أحمد، سيدة تسكن في قرية تازة دي، تقول أن شركات النظافة تأتي الى قريتها مرة كل اسبوعين، لذا فإن النفايات تتكدس في القرية. "البعض يرمون النفايات في بحيرة القرية، وبعضهم يحرقونها وينتشر دخانها في أرجاء القرية، وهذا يدخلني أحياناً في مشاكل معهم".
تعاني شقيقة داليا وابنها ذو الرابعة من العمر من مشاكل في الجهاز التنفسي وتتفاقم حالتهما، بحسب داليا، كلما انتشر الدخان في القرية.
"دخلت مراراً في مشاحنات مع سكان القرية، أخبرتهم أن ابني مريض ولا يستطيع التنفس بسبب الأدخنة المتصاعدة
تقع قرية "تازة دي" على نهر سيروان وتبعد 15 دقيقة عن كلار –مركز إدارة كرميان-، تقطن 300 عائلة في القرية التي يوجد فيها ينبوع مياه موسمي تحيط به كميات كبيرة من النفايات، في الوقت الذي يعتبر هذا الينبوع مصدراً لمياه الشرب لسكان القرية.
"نصف العوائل الساكنة في هذه القرية ترمي نفاياتها في مياه الينبوع التي تصب شتاءً في نهر سيروان الذي يمثل مصدراً رئيسياً لمياه الشرب والزراعة في المنطقة.
وتقول داليا، "دخلت مراراً في مشاحنات مع سكان القرية، أخبرتهم أن ابني مريض ولا يستطيع التنفس بسبب الأدخنة المتصاعدة بعد حرق النفايات، كثيرون وقعوا في مشاكل مشابهة".
تشير البيانات المتعلقة بالنفايات في كرميان الى أنها في تزايد مضطرد، في المقابل لا يتم جمع هذه النفايات والتخلص من بصورة علمية.
في عام 2014 كانت كمية النفايات التي ترفع يومياً أقل من 150 طن، لكن احصائيات بلديات كرميان والشركات الخاصة بجمع النفايات تشير الى أن الكمية ارتفعت الى 450 طن في عام 2022.
وتقول شركات جمع النفايات التي تعاقدت معها إدارة كرميان أنها لا تستطيع جمع تلك الكمية بسبب عدم صرف مستحقاتها من قبل الحكومة.
برزان فائق، رئيس اللجنة العليا لجمع النفايات في إدارة كرميان، قال "حسب العقود المبرمة بيننا وبين شركة كردين، من المفترض أن يتم جمع النفايات من المدن مرة كل يومين، يتكدس يومياً 350 طناً من النفايات، لكن في عقدنا السابق الذي كانت الشركة ملزمة بموجبه بجمع النفايات يومياً كانت كمية النفايات المتكدسة يومياً 450 طناً".
شركة كردين لديها عقد مع بلديات كرميان لغاية آب 2024، لكن الحكومة لا تصرف حالياً مستحقات الشركة بالشكل المطلوب، ما اضطر حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتمتع بنفوذ في المنطقة للتدخل وصرف بعض المستحقات المالية لكي لا توقف الشركة نشاطاتها.
رغم أن سكان قرى كرميان يقولون أن مناطقهم تنظف مرتين كل شهر، لكن برزان فائق يقول، "اتفاقنا مع الشركة كان تنظيف القرى القريبة من الطرق المعبدة مرتين في الاسبوع".
كما ترون النفايات متكدسة في المياه، والحشرات متجمعة عليها، ومخلفات الحيوانات والنفايات البلاستيكية اختلطت بها وأحياناً يقومون بحرقها
تتألف إدارة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية من اقضية كلار، كفري ودربندخان اضافة الى عشرات النواحي وآلاف القرى.
جوانه محمد، الساكنة في قرية سيد خليل المؤلفة من 24 عائلة، قالت "لم تجمع النفايات في هذه القرية منذ ثلاث سنوات، في السابق كانوا يأتون مرة في الاسبوع، والان ترون بأنفسكم كيف تغطي النفايات قريتنا والعواصف تبعثرها على الشارع الرئيسي أو تأخذها نحو المدينة".
يوجد جدولا للمياه في قرية سيد خليل، إحداها تمر وسط القرية وتصب فيها النفايات.
"كما ترون النفايات متكدسة في المياه، والحشرات متجمعة عليها، ومخلفات الحيوانات والنفايات البلاستيكية اختلطت بها وأحياناً يقومون بحرقها.. الأمطار الغزيرة جرفت النفايات عدة مرات نحو نهر سيروان"، بحسب جوانه محمد.
دلير هدايت، المشرف على شركة كردين لرفع النفايات في كرميان قال لـ(كركوك ناو)، "الحكومة لم تصرف مستحقاتنا منذ سنة ونصف، فقط الاتحاد الوطني يصرف لنا جزءاً من أجورنا، لكنها قليلة جداً لا تمكّننا من أداء عملنا بالشكل المطلوب، أهملنا النفايات المتكدسة في القرى، سكان القرى بإمكانهم دفن نفاياتهم تحت الأرض".
وأضاف، "بموجب عقدنا نحن ملزمون بتنظيف المدينة مرة كل يومين، لكننا نشعر أن ذلك لا يكفي، فأكوام النفايات تتجمع، لذا قررنا تنظيف المدينة كل يوم.... الآن لدينا خطة لجمع النفايات في القرى القريبة من المدينة".
ويقول المسؤول في شركة كردين بأنهم إذا بدأوا برفع النفايات في القرى سيتطلب الأمر جمع 50 طن أخرى.
يبلغ عدد سكان إدارة كرميان 324 ألف نسمة، بحسب دائرة إحصاء كرميان.
الطريقة الأمثل لمعالجة النفايات هي فرزها في المنازل وتسهيل مهمة شركات رفع النفايات وكذلك إنشاء شركات ومعامل لتدوير النفايات
برزان فائق، رئيس اللجنة العليا لجمع النفايات في إدارة كرميان يقول أنهم ينفذون حملات تنظيف في المناطق التي ترمى فيها النفايات، وذلك كأحد الحلول المؤقتة.
عبدالمطلب رفعت، خبير البيئة والموارد المائية يرى أن النفايات لا يتم جمعها والتخلص منها بطريقة علمية في كرميان ويقول، "يجب التخلص منها ومسافة لاتقل من 10 كيلومترات عن المدن، لكن في كلار لا تبعد سوى كيلومترين، وهذا يخالف شروط حماية البيئة، كما يجب أن تكون بعيدة عن مجرى الأنهر والجداول، لكن المكبات في كلار قريبة من الأنهر وجداول المياه، ما يؤدي الى تلوث المياه بفعل الأمطار".
"في كرميان لا تراعى شروط حماية البيئة، هذا انتهاك من قبل الحكومة وهي المسؤولة عما يجري، على سبيل المثال يتم حرق النفايات وذلك يؤدي الى انتشار الغازات الخطرة، وبالتالي يؤدي الى تغيرات مناخية منها ارتفاع درجات الحرارة، وتؤدي النفايات الى تلوث التربة والمياه الجوفية... كل هذا يؤثر على البيئة وصحة البشر".
بلديات كرميان حصلت عل الموافقة لتخصيص 100 دونم لجمع النفايات، بحسب رئيس اللجنة العليا لجمع النفايات في إدارة كرميان.
ويقول عبدالمطلب رفعت أن "الطريقة الأمثل لمعالجة النفايات هي فرزها في المنازل وتسهيل مهمة شركات رفع النفايات وكذلك إنشاء شركات ومعامل لتدوير النفايات، بهذه الطريقة نحمي البيئة والماء والتربة".