الأسابيع الثلاثة التي قضاها 10 صحفيين من اقليم كوردستان في أمريكا لم تكن مجرد رحلة عادية، بل محاولة لتعلم المزيد، من خلال اكتساب التجارب والاطلاع على العمل الاعلامي والآلية التي تعمل بها مؤسسات الدولة، فضلاً عن تعزيز الجسور الثقافية بين أمريكا واقليم كوردستان، فضلاً عن ايجاد فرص جديدة للمستقبل وتوسيع العلاقات.
في الفترة من 8 لغاية 30 تموز 2023 زار صحفيون من أربيل، والسليمانية، وكركوك، ودهوك وحلبجة الولايات المتحدة الأمريكية في إطار برنامج القيادة الدولية للزوار الذي ترعاه وزارة الخارجية الأمريكية.
البرنامج يطلق عليه اسم (التطوير المهني) ويعتبر جزءاً من برنامج للتبادل الثقافي، تموله أيضاً وزارة الخارجية الأمريكية.
المشاركون في البرنامج زاروا واشنطن وثلاث ولايات أخرى (بنسلفانيا، فلوريدا وكولورادو)، وتعلموا من كل ولاية تجربة جديدة ودرساً جديداً.
واشنطن... أوضاع الصحفيين في الاقليم وفهم المنظور الامريكي للعالم
في واشنطن، زرنا وزارة الخارجية الأمريكية وتحدثنا هناك عن أوضاع الصحفيين في العراق واقليم كوردستان، وازدياد الانتهاكات ضد الصحفيين، ومنع وصول المعلومات، والاعتقالات والسجن بأوامر قضائية خلافاً للقوانين المعمول بها ووضع العراقيل أمام الاعلام المستقل.
بصورة عامة، وزارة الخارجية على اطلاع بأوضاع الصحفيين وقضايا حقوق الانسان في اقليم كوردستان والعراق بحسب ما ورد في تقاريرها السنوية. هناك، قدمنا بعض الاقتراحات التي نعتبرها ضرورية لتحسين أوضاع الصحفيين، بينها تحسين بيئة العمل الصحفي ودعم الصحفيين المستقلين الذين يتم استهدافهم بصورة اكبر.
مسألة خلط قضية الناشطين والعمل الصحفي كان محل تساؤل ومناقشات مكثفة، ومن هذا المنطلق كان من الضروري توضيح بيئة العمل الصحفي في اقليم كوردستان لهم من جديد. إجمالاً، كان هناك توافق على أن البيئة الحالية للعمل الصحفي في اقليم كوردستان ليست مهنية والأفق ليس مضيئاً.
هذه المناقشات جاءت بعد يوم من زيارة مبنى البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي وعدد من المؤسسات الحكومية.
مكثنا في واشنطن أقل من اسبوع، بصورة عامة الفترة التي قضيناها في واشنطن كانت لفهم كيفية صنع القرار في هذا البلد، القوانين وكيف تتعامل وتعمل أمريكا مع دول العالم.
بنسلفانيا، ولاية "الأقليات والأغلبيات".. كيف تبنى الثقة
ولاية بنسلفانيا، وبالأخص اقامتنا في مدينة فيلادلفيا كانت خاصة جداً، الولاية تعج بقوميات وأديان متعددة، هنا (الأقليات أغلبيات)، التعايش والسلم المجتمعي يدعوان للتأمل، اختيار هذه الولاية للمشاركين في البرنامج كان نوعاً من التأكيد على أن الناس في اقليم كوردستان بتعدد قومياتهم وأديانهم يمكنهم العيش معاً، حسب قراءتي لما رأيت.
البرنامج بالنسبة لنا في هذه الولاية كان لبناء الثقة، كيف تبنى الثقة عند الناس، سواء كمؤسسة اعلامية أو مؤسسة حكومية.
على سبيل المثال، زرنا مبنى بلدية فيلادلفيا، التقينا بمسؤولين كبار في هيئة النزاهة، تحدثوا لنا عن أهمية وجود علاقات بين الاعلام والمؤسسات الحكومية لكي يبنى الطرفان الثقة عند الناس.
"الاعلام وهيئة النزاهة هنا يعملان بشكل متوازي ويبنون الثقة عند الجمهور، لذا العلاقة بيننا يجب أن تكون جيدة... الصحفيون في الشارع يمثلون جسر التواصل بيننا وبين الجمهور، بدونهم، كيف لنا في الطابق الثامن عشر من هذا البنى أن نعرف ماذا يحدث في الأسفل"، حسبما قال شين كريمر، المدير التنفيذي لهيئة النزاهة والناطق باسمها، في إحدى الجلسات.
فلوريدا... "لا تصدق ما تراه بأم عينك"
بقينا خمسة ايام على الأقل في مدينة سانت بيترسبرغ، وهي من المدن الخلابة بولاية فلوريدا. الولاية تعتبر سياحية، المناقشات هنا تمحورت حول الذكاء الاصطناعي، مخاطر الأخبار المزيفة وكيفية تعامل الاعلام وتكيفه مع التطورات السريعة في مجال التكنلوجيا.
قضينا جل وقتنا في معهد بوينتر، وهو أحد المعاهد الشهيرة في المدينة، إجمالاً، هناك تهديد جدي يخص كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي (AI)، هناك مستجدات على الأبواب.
الأغلبية تحدثوا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، لكن على النقيض، كان لدى آل توميكنس، الذي يمتلك خبرة 50 عاماً في العمل الاعلامي ويعمل مدرباً في المعهد، نوع من التفاؤل. فهو يرى بأننا لن نعرف مضار وفوائد الذكاء الاصطناعي ما لم نجربه، "لنرتكب أخطاءنا، ومن ثم نتعرف على الفوائد"،.
كولورادو... تجربة الاعلام والاختلافات
كانت كولورادو المحطة الأخيرة في رحلتنا، تركزت الأمور هنا على تبادل الخبرات والاختلافات ومكثنا في مدينتين مختلفتين (بولدر ودينفر)، الى جانب زيارة جامعة بولدر قضينا الأيام الأخرى في المؤسسات الاعلامية وتناقشنا مع الصحفيين أصحاب الخبرات في مجالات متنوعة.
يجب على القارئ أن يعرف بأنه لا يوجد في أمريكا شيء اسمه الاعلام الحزبي واعلام الظل واعلام المعارضة، ما تجده هنا عبارة عن مؤسسات اعلامية مستقلة تستمد الدعم المادي من القراء والاعلانات.
والأهم من كل شيء، هو أن الاعلام هناك لا يتقاتل من أجل جمع ضغطات الاعجاب والتعليقات، لا يزودك بأخبار مزيفة لكي يجمع تفاعلاً أكثر، هناك الثقة قبل كل شيء، إذا خسرت الثقة ستخسر الدعم المادي من القراء والاعلانات.
تواجدنا هناك خلال البث المباشر للمؤسسات الاعلامية، شاركنا في اجتماعات غرف الأخبار، تعرفنا على الاختلاف بين قيمة الخبر عند صحفيينا وصحفييهم، قرائنا وقراهم. إن كان الخبر العاجل عندنا يتعلق بتوزيع الرواتب ففي كولورادو تتمتع أخبار المناخ بالأولوية.
توجد هناك مؤسسات محلية متعددة، الأولوية في الخبر تعطى للأقرب، الزقاق الذي تسكن فيه، الحي، المدينة ومن ثم الولاية، يقومون أكثر بتغطية أخبارهم، وليس ما يدور في الولايات المتحدة أو العالم.