قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء مقاعد الكوتا المخصصة للأقليات الدينية والعرقية في برلمان كوردستان، أشعل موجة من خطابات الكراهية تجاه هذه المكونات على مواقع التواصل الاجتماعي الكوردية، وعرّض الأقليات لوابل من الإساءات والسخرية، كانت الضحية الأولى فيه سياسية من المكون التركماني.
موجة هجمات خطاب الكراهية ضد المكونات بدأت مع الاعلان عن جملة قرارات أصدرتها المحكمة الاتحادية في 24 شباط 2024 حول قانون انتخابات برلمان كوردستان تضمنت تقليص عدد مقاعد البرلمان من 111 مقعد الى 100، وتقسيم اقليم كوردستان الى أربع دوائر انتخابية وإلغاء 11 مقعد كوتا كانت مخصصة للأقليات (خمسة مقاعد للتركمان، خمسة مقاعد لمسيحيين ومقعد واحد للأرمن).
"جمال يلا عالبيت، منى يلا عالبيت، قرداش يلا عالبيت"، هذا جزء قليل من وابل التعليقات التي تكتب أسفل التقارير والأخبار ومقاطع الفيديو التي تنشرها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول قرار المحكمة الاتحادية بخصوص مقاعد كوتا الأقليات.
عبارة "جمال يلاع البيت" تستخدم كتلميح لإرسال المكونات الى منازلهم بعد فقدان مقاعد الكوتا في البرلمان وإنهاء دورها.
هذه العبارة استخدمت في الأساس من قبل رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل طالباني حين نادى أحد أفراد حمايته ويدعى جمال قائلاً له "جمال لو ماري" أي بالعامية "جمال يلاع البيت"، لكن لا يبدو أن هذه العبارة تتعلق بقرار المحكمة الاتحادية كونها انتشرت علي التواصل الاجتماعي الكوردية قبل اسبوع من صدور قرار المحكمة، لكن البعض أعاد توظيفها للإساءة الى الأقليات.
مونا قهوجي، السكرتيرة السابقة لبرلمان كوردستان من المكون التركماني كانت من بين الشخصيات التي تعرضت لأكبر كمية من الإساءات والسخرية. مقطع فيديو لمؤتمر صحفي لمنى قهوجي نشر على صفحة قناة روداو في 25 شباط، جمع 7600 تعليق، حوالي 7 آلاف تعليق منها تضمنت تهكم وإساءات، أغلبها تضمنت عبارة "يلا عالبيت"، فضلاً عن 6100 رمز تعبيري (ايموجي) الضحك.
منى القهوجي خصت تصريحاتها خلال المؤتمر بقرار المحكمة الاتحادية وقالت "المكون التركماني أصبح قوياً بفضل نظام الكوتا وهو الذي مكنه من الدفاع عن حقوق التركمان، أي حزب سياسي يسجل شكوى ضد الأقليات فهو يعاديها"، في إشارة الى الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي سجل الشكوى في المحكمة الاتحادية بخصوص مقاعد كوتا الأقليات.
وأضافت، "بعد صدور القرار نتعرض للسخرية على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، لن نقبل هذه الإساءة بل ستقوينا أكثر، نحن لن نذهب للبيت"، رداً على عبارة "التركمان يلا عالبيت"، التي تكتب في التعليقات.
يجب أن تزيلوا هذا العلم الأزرق، إن كنت لا تعتبر نفسك أقلية سنراك في الانتخابات
مقطع المؤتمر الصحفي نشر أيضاً على صفحة قناة NRT وكان 1300 تعليق على الأقل من مجموع 1400 تعليق ذهب للمنشور يتضمن استهزاء وشتائم وإهانات، الى جانب 1200 رمز تعبيري (ايموجي) الضحك.
المؤتمر الصحفي المشترك ألأول لممثلي المكونات حول قرار المحكمة والذي شارك فيه ممثلو التركمان، المسيحيين والكلدو-أشوريين والأرمن والذي نشر على صفحة قناة روداو تلقى 8000 رمز تعبيري للضحك.
إجمالاً استهدفت الإساءات جميع المكونات المشاركة في برلمان كوردستان، بالدرجة الأولى التركمان الذين احتجوا بشدة ضد القرار وكانت منى القهوجي المستهدف الأكبر بين التركمان.
(كركوك ناو) تواصلت على مدار يومين مع منى القهوجي التي وعدت بالتحدث حول ما إن كانت ستسجل شكوى أم لا، لكنها امتنعت عن الرد بعد ذلك.
رغم أن حزب الإرادة الوطنية التركمانية رحب في 26 شباط بقرار المحكمة الاتحادية بإلغاء مقاعد الكوتا وأعلن في بيان "نحن لسنا اقلية والقرار في محله"، رغم ذلك لم يسلم الحزب من خطاب الكراهية، حيث كتب في أحد التعليقات على صفحة NRT "يجب أن تزيلوا هذا العلم الأزرق"، وكتب تعليق آخر "إن كنت لا تعتبر نفسك أقلية سنراك في الانتخابات".
لن ندخل في انتخابات تبدأ نتيجتها بـ11 ضد صفر
آزاد كورجي، عضو الدورة الخامسة لبرلمان كوردستان ورئيس قائمة الشعب (ميلت) عن المكون التركماني قال لـ(كركوك ناو) "أطفالي يقرأون التعليقات ويسألونني: أبي، لماذا يكتب الناس هذه التعليقات"، وأضاف "أطفالي يقولون لم نر تعليقاً واحداً يدافع عنا".
موجة الإساءات بهذا النطاق الواسع خلق جدلاً بين أسر الأقليات، في الوقت الذي تفتخر كوردستان بالتعايش الموجود في الاقليم والذي يعتبره المسؤولون أحد أهم مكتسباتهم.
ليست لدينا تلك الامكانيات المادية والمعنوية القوية، ولا نملك قوات أمنية أو بيشمركة، ما يحدث في اقليم كوردستان ليس ذنبنا، الناس لا يرون سوى المقاعد الخمسة التي لدينا، لماذا يقولون لنا هيا الى بيوتكم"، يقول آزاد كورجي.
الاتحاد الوطني الكوردستاني عارض في أكثر من تصريح رسمي مقاعد الكوتا بالصيغة الموجودة في القانون ويرى بأن مقاعد الكوتا تصوت لصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أغلب المواقف والقرارات الحساسة.
حتى أن رئيس الاتحاد الوطني قال في تصريح أدلى به العام الماضي "لن ندخل في انتخابات تبدأ نتيجتها بـ11 ضد صفر"، ملمحاً الى أن الديمقراطي الكوردستاني قد ضمن مقاعد الكوتا الـ11.
الديمقراطي الكوردستاني يقدم نفسه كداعم للأقليات وأعرب في بيان عن رفضه لقرار إلغاء مقاعد الكوتا.
حماية حقوق الأقليات في اقليم كوردستان نُظم بقانون وجاء في الفقرة ثالثاً من المادة الثالثة، "حظر أية دعوة دينية أو سياسية أو إعلامية، مباشرة أو غير مباشرة، إلى الكراهية أو العنف أو الترهيب أو الإقصاء والتهميش، المبنية على أساس قومي أو أثني أو ديني أو لغوي".
يوجد في اقليم كوردستان ما لا يقل عن 10 مكونات دينية وعرقية، من بينها التركمان، الكلدان السريان الآثوريين والأرمن، الايزيديين، الصابئة المندائيين، الشبك، الفيليين، الزردشتيين واقليات أخرى.
أمیر عثمان، مدير مديرية التعايش الديني التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في اقليم كوردستان، قال لـ(كركوك ناو)، "نحن ندافع عن الأقليات بالقانون، وأي موضوع يخلق تهديداً على المكونات الدينية أو القومية نقف ضده".
"نرفض أي إساءة أو مصطلحات مشينة تستخدم ضد الأقليات على مواقع التواصل الاجتماعي ، نرى بأن حقوق المكونات مكفولة في اقليم كوردستان من الناحية السياسية، القانونية، الثقافية والقومية".
ليس من المستبعد أن يتطور ما يحدث الآن الى خطاب الكراهية وانقسام البيت الكوردي
لم يثبت لـ(كركوك ناو) أن تكون موجة خطاب الكراهية قد حدثت بشكل مخطط له، لكن من الواضح أن بعض الصفحات المرتبطة بأحزاب وشخصيات سياسية تستغل الأقليات لحصد التعليقات، على سبيل المثال وضعت صفحة مقربة من جهة سياسية صورة منى القهوجي وكتبت عليها "ما العمل الذي ترونه مناسباً لمنى القهوجي"، المنشور جمع عدداً كبيراً من التعليقات المتضمنة للسخرية.
ما يقلق المكونات هو أن بعض الأشخاص البارزين والمعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي والذين يعرفون أنفسهم كصحفيين أو ناشطين، يسيئون كغيرهم للأقليات.
بشتيوان فرج، مدير البرامج في منظمة الصحافة المستقلة في كوردستان والذي أدارت منظمتهم خلال السنوات الثلاث الماضية برنامجاً عن خطاب الكراهية والاستقطاب، قال لـ(كركوك ناو)، "ليس من المستبعد أن يتطور ما يحدث الآن الى خطاب الكراهية وانقسام البيت الكوردي... يجب أن لا ننسى أن هناك أناساً يعارضون من الأساس التغييرات التي تحدث في النظام السياسي بسبب هذه الأقليات، لذا ليس من المستبعد أن يستخدموا منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الأقليات الأمر الذي قد يؤدي الى نشوء خطاب الكراهية".