تثبيت الهوية القومية تثير مشاكل داخل البيت الايزيدي

نينوى/ تجمع لعدد من ايزيديي سنجار للتعبير عن دعمهم لتثبيت القومية الايزيدية     تصوير: كركوك ناو

عمار عزيز – نينوى

أثار مشروع قانون لتثبيت المكون الايزيدي كقومية مستقلة جدلاً وخلافات عميقة بين ابناء المكون الذي تم تثبيته في الدستور العراقي كمجموعة دينية تمارس عباداتها وطقوسها باللغة الكوردية.

الخلافات التي احتدمت منذ بضعة اسابيع جاءت بعد تقديم مشروع قانون "القومية الايزيدية" بتوقيع 182 نائباً في البرلمان العراقي، وتمت إحالته الى اللجنة القانونية النيابية.

نايف خلف سيدو، رئيس الكتلة الايزيدية في البرلمان العراقي (للايزيديين مقعد كوتا وحيد) وصف هذه الخطوة في الطلب الذي تضمن مشروع القانون بأنها تهدف "لتحقيق العدالة لأبناء المكون الايزيدي الذي تعرض للإبادة الجماعية".

واستند طلب تثبيت الايزيديين كقومية الى المادة 3 من الدستور العراقي التي تنص على أن " العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب..."، لذا يرى سيدو أن من حق الايزيديين أن يتم تثبيتهم كقومية على هذا الأساس.

آباؤنا وأجدادنا والأجيال التي سبقتنا جميعهم تحدثوا باللغة الكوردية، أزياؤهم وأكلاتهم وكل تفاصيلهم كانت تتماشى مع القومية الكوردية

وجهة نظر ومساعي سيدو كانت محل خلاف بين الايزيديين منذ سنوات لكن هذا الخلاف لم تصل أبداً لمرحلة تقديم مشروع قانون بهذا الخصوص.

"العبادات والطقوس والنصوص الدينية الايزيدية كلها باللغة الكوردية، بعد كل هذه السنين لا أعرف بأي آلية نجدد هويتنا؟"، يقول بير خدر جعفر، شخصية اجتماعية ايزيدية، والذي يرى أن هذه الخطوة لن تؤدي إلا الى "التفرقة بين الايزيديين".

كلمة ايزيدي منبثقة من كلمة (ايزدان – الله"، وهي ديانة توحيدية عريقة تعتبر امتداداً للديانة الميثرائية، النصوص الايزيدية المقدسة تتألف من قسمين، كتاب الجلوة ومصحف رش فضلاً عن الأقوال والأبيات والقصائد وهي باللغة الكوردية (اللهجة الكرمانجية).

وقال بير خدر لـ(كركوك ناو)، إن "آباؤنا وأجدادنا والأجيال التي سبقتنا جميعهم تحدثوا باللغة الكوردية، أزياؤهم وأكلاتهم وكل تفاصيلهم كانت تتماشى مع القومية الكوردية، أمير الايزيدية ورئيس المجلس الروحاني تحدثوا باللغة الكوردية، لذا من الغريب جداً أن يطالب البعض بهوية أخرى للايزيديين".

جهود تثبيت القومية الايزيدية، بحسب بير خدر، "لا يُرجى منه الخير"، ويخشى من أن "يصبح الايزيديون ضحية بسبب ذلك ويقل قدرهم".

الفقرة ثانياً من المادة 2 من الدستور العراقي ذكر الايزيديين كديانة وأشارت الى أن الدولة تلتزم بحماية كافة حقوقها الدينية.

نايف خلف سيدو، كان عضواً سابقاً بحزب التقدم الايزيدي، الحزب حمل منذ تأسيسه شعار "تثبيت القومية الايزيدية".

(كركوك ناو) حاول مراراً الحصول على تصريحات من النائب نايف خلف سيدو (مقعد كوتا الايزيديين-نينوى) لكن دون نتيجة.

حزب التقدم الايزيدي ينشط منذ عام 2006، بعد انشقاقه عن حزب الإصلاح والتقدم الذي تأسس عام 2004، والذي كان أيضاً يتبنى فكرة تثبيت القومية الايزيدية.

"أياد سياسية وراء قضية تثبيت القومية الايزيدية، هدفهم الرئيسي عزل الايزيديين وسنجار عن الكورد

"نحن ايضاً نريد أن تكون لنا قومية خاصة بنا، ديانتنا الايزيدية ويجب أن تكون قوميتنا أيضاً ايزيدية"، حسبما قال سعيد بطوش، رئيس حزب التقدم الايزيدي لـ(كركوك ناو).

ويقول بطوش أن حزبه تأسس على أساس بناء القومية، وهو صاحب فكرة تثبيت القومية الايزيدية لذا يحرصون على تحقيق هذا الهدف، "الحكومة العراقية فرضت علينا في حينها القومية العراقية، بعدها فرضت حكومة الاقليم علينا الانتماء للقومية الكوردية، لكننا لا نريد أن تفرض اية جهة قوميتها علينا، نحترم جميع القوميات لكننا نريد قومية خاصة بنا".

تقدر أعداد الايزيديين في العراق بـ550 ألف شخص، تعرض أبناء هذا المكون للنزوح وهاجر أكثر من 100 ألف ايزيدي العراق، وفقاً لإحصائية كشفت عنها المديرية العامة لشؤون الايزيديين في حكومة اقليم كوردستان.

يعيش غالبية الايزيديين في قضاء شيخان (يقع شمال الموصل ويتبع محافظة أربيل إدارياً) وقضاء سنجار (120 كم غرب الموصل ويتبع محافظة نينوى إدارياً).

حيدر ششو، قائد قوات ايزيدخان في سنجار قال لـ(كركوك ناو)، إن "الهدف مما يجري الآن هو إشغال الناس لينسوهم قضية الاعتراف بالإبادة الجماعية، الإعمار والتعويضات"، ويرى ششو أن الذين يدعمون تثبيت القومية الايزيدية "هم قلة قليلة لا يتعدى عددهم 20 ايزيدياً، في المقابل يعتبر غالبية الايزيديين أنفسهم من الكورد".

في آب 2014، سقط قضاء سنجار في يد مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" وتعرض الآلاف من الايزيديين للقتل، الخطف والتهجير".

ويرى ششو أن هناك "أياد سياسية وراء قضية تثبيت القومية الايزيدية، هدفهم الرئيسي عزل الايزيديين وسنجار عن الكورد".

lalsh
شيخان/ 2019/ إقامة مراسيم عيد الأربعاء الأحمر في معبد لالش   تصوير: كركوك ناو

المجلس الروحاني الايزيدي، الذي كان يترأسه تحسين بك، الأمير السابق للايزيدية في العراق والعالم أصدر في 2010 بياناً قال فيه، "نفتخر بقوميتنا الكوردية، وذلك بالاستناد الى حقائق اللغة والتاريخ والجغرافيا.."، وكان ذلك رداً على مساعي لتسجيل الايزيديين كقومية مستقلة في المعلومات والبيانات الخاصة بالتعداد العام للسكان.

مؤسسة ادارة شؤون الايزيديين في المجلس الروحاني الايزيدي يترأسه أمير الايزيديين، وتضم المؤسسة كلاً من بابا شيخ، والشيخ الوزير مع رئيس القوالين، وجميع القرارات التي تخص المكون الايزيدي تُصدر من تلك المؤسسة.

سعيد جردو، رئيس الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي قال لـ(كركوك ناو) إن "القسم الأصيل من الشعب الكوردي الذي يحافظ حتى اليوم على التراث والتقاليد الكوردية هم ايزيديون، أزياؤهم، أكلاتهم، تراثهم وتقاليدهم ونصوصهم الدينية كلها كوردية"، وعبر جردو عن أسفه من وجود محاولات "لخلق ثغرات بين الايزيدية والكوردية، في حين أن كليهما روحان في جسد واحد"، على حد قول جردو.

قضية تثبيت القومية الايزدية جاءت الى الواجهة في عام 2023، بعد أن وجه النائب نايف خلف سيدو طلباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، لكي تتعامل الدوائر الرسمية مع الايزيديين كقومية وديانة، لكن الأمانة العامة رفضت الطلب وشددت على أن الايزيدية تعتبر "ديانة" بموجب الدستور العراقي وليس "قومية".

حتى لو تم جمع التواقيع ونوقش مشروع القانون، لن يكون الأمر بهذه السهولة، لأن أي قانون يتم تمريره يجب أن يتوافق مع الدستور ولا يخالف نصاً دستورياً

رئيس حزب التقدم يقول إن تاريخ الايزيدية ولالش يعود لآلاف السنين، "نشأت قبل تأسيس حكومة اقليم كوردستان والفكر القومي الكوردي، لالش والايزيدية أقدم و 80 بالمائة من الايزيديين يؤيدون تثبيت القومية الايزيدية".

في 14 حزيران 2024، نظم عدد من ايزيديي سنجار تجمعاً عبروا فيه من خلال رفع العديد من الشعارات عن دعمهم لتثبيت القومية الايزيدية.

وقال سعيد بطوش، "نحن في نينوى كنا محرومين من كل شيء بعد 2003 وسلبنا من استحقاقاتنا في المناصب الادارية، لطالما استفاد الكورد من أصواتنا دون أن يمنحونا حقوقنا".

الايزيديون، كأقلية دينية في العراق، خصص لهم مقعد في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى ومقعد في مجلس المحافظة، كلاهما بنظام الكوتا.

دارا حمه أحمد أمين، عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي يقول بأن النقاشات لم تبدأ حول مقترح تثبيت القومية الايزيدية لأن البرلمان في عطلة تشريعية، "باعتقادي، هذه القضية حسمت في الدستور، الذي ذكر بوضوح القوميات التي تعيش في العراق، على سبيل المثال الكورد والعرب، فيما يشير الى وبعض المكونات الأخرى كالمسيحيين، الايزيديين، الصابئة على أنها تعامل كأديان ومجموعات دينية وليس كقوميات مستقلة".

ويرى دارا أنه بسبب الخلافات بين الايزيديين المنقسمين الى جبهة تعتبر نفسها منتمية للقومية الكوردية وأخرى تفكر بصورة مختلفة، "حتى لو تم جمع التواقيع ونوقش مشروع القانون، لن يكون الأمر بهذه السهولة، لأن أي قانون يتم تمريره يجب أن يتوافق مع الدستور ولا يخالف نصاً دستورياً".

توجد مسائل أخرى يختلف بشأنها الايزيديون، منها قضية تنصيب أمير الايزيديين في العراق والعالم، فقد أعلن حتى الآن ثلاثة اشخاص عن أنفسهم أمراء للايزيدية، هذا بالإضافة الى وجود آراء متباينة حول منصب المرجع الديني الايزيدي.

تأتي هذه الخلافات في الوقت الذي لا يزال مصير أكثر من ألفي ايزيدي مختطف مجهولاً، فيما لا تزال آلاف العوائل الايزيدية تعيش في مخيمات النازحين بإقليم كوردستان.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT