الكورد يهجرون مندلي!.. حتى حسين علاي سيغادر

ديالى/ آذار 2023/ مواطنون من مختلف القوميات في مركز قضاء مندلي   تصوير: كركوك ناو

ليلى أحمد – ديالى

لم يبق أمام حسين علاي إلا انتظار رحمة الله لا غير، بعد أن غادر جميع أقاربه مندلي وبقي أمامه خيار واحد وهو الهجرة وترك موطن آبائه وأجداده.

حسين من السكان الكورد الأصليين في مندلي، قضى كل عمره هناك لكنه الآن يعد الأيام المتبقية قل أن يغادرها هو الآخر بسبب البطالة وغياب الخدمات.

"جيراني وأقاربي من الكورد رحلوا عن مندلي لأن الحياة هنا اصبحت صعبة، لا توجد لدينا خدمات، لا ماء ولا كهرباء ولا فرص عمل"، حسبما قال علاي لـ(كركوك ناو)، وهو اب لستة أبناء يعانون مثله من البطالة، "كلنا نرغب في مغادرة مندلي".

مندلي من المناطق المتنازع عليها في محافظة ديالى وتبعد 93 كيلومتراً عن بعقوبة  مركز المحافظة، ويقطنها خليط من الكورد الفيليين، العرب والتركمان.

عمر عادل، من سكنة مندلي ويملك مكتب بيع وشراء العقارات، أشار الى أن تعاملاته اليومية تثبت أن غالبية المواطنين الكورد أصبحوا يبيعون أملاكهم لأبناء المكونات الأخرى، وقال عمر "من بين 15 معاملة بيع وشراء للعقارات 2 منها فقط تشترى من قبل الكورد والبقية يشتريها العرب". وأوضح عمر لـ(كركوك ناو) أن معظم الكورد الذين لا زالوا في مندلي لديهم منازل في مناطق أخرى ويعودون الى مندلي بين فترة وأخرى.

كنت أرغب أن يدرس أطفالي باللغة الكوردية، لكن كل شيء هنا اصبح بالعربية

وكشف عمر عن إحصائية لمكتب العقارات الذي يملكه تظهر أنه منذ مطلع العام الحالي، من مجموع ألف معاملة بيع للعقارات 20 بالمائة فقط تم شراؤها من قبل الكورد، "الكورد يميلون أكثر لبيع عقاراتهم، يقولون إن حياتهم أصبحت صعبة في ظل غياب الخدمات، لذا يسارعون الى بيع أملاكهم".

إجمالاً، الشوارع والطرق داخل وخارج مندلي في حالة سيئة، السكان يعانون من شح المياه خلال الصيف، النظام الصحي وقطاع التربية تشبه نظيراتها في مناطق ديالى الأخرى، لكن الدراسة فيها بالعربية فقط.

أطفال سالار حسين أجبروا على الالتحاق بمدارس قسم الدراسة العربية بسبب عدم وجود مدارس بلغتهم الأم، في الوقت الذي تعتبر فيه اللغة الكوردية بحسب الدستور لغة رسمية الى جانب العربية ويجب أن تكون الدراسة بالكوردية في المناطق التي يشكل الكرد فيها أغلبية.

"كنت أرغب أن يدرس أطفالي باللغة الكوردية، لكن كل شيء هنا اصبح بالعربية"، حسبما قال سالار لـ(كركوك ناو). يقول أيضاً، وهو أب لطفلين، إن جهة سياسية كوردية وعدت بفتح مدرسة كوردية في مندلي، سكان مندلي وفروا مكاناً لبناء المدرسة لكن الوعود لم تثمر عن شيء، إلى أن وقعت أحداث 16 أكتوبر.

نشطت الأحزاب الكوردية في مندلي بعد سقوط نظام البعث في 2003، وكانت جميع المناصب العليا بيد الكورد قبل أن تؤول إلى الحكومة الاتحادية العراقية بعد عودتها في أكتوبر 2017.

في 16 أكتوبر 2017، أعادت القوات العراقية، بأوامر من رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها ، وأجبرت قوات البيشمركة والقوات الأمنية الأخرى التابعة لحكومة اقليم كوردستان على الانسحاب، وذلك بعد تأزم العلاقات بين بغداد وأربيل بسبب استفتاء الاستقلال في اقليم كوردستان.

mandaaa-1

ديالى/ آذار 2023/ مدخل بلدية قضاء مندلي   تصوير: كركوك ناو 

يقول علاي إن الأحزاب الكوردية واقليم كوردستان أهملوا المنطقة، "رغم كون مندلي منطقة كوردية تاريخياً...، آلاف الكورد يهجرون مندلي يومياً... لم تبقى في مندلي أي مظاهر كوردية".

في آذار 2023 أعلنت وزارة التخطيط العراقية موافقتها على إعادة استحداث قضاء مندلي بهدف عودة الحياة الى الأقضية التي "تعاني من الإهمال" بحسب الوزارة.

وكانت مندلي قد حولت الى قضاء في عام 1947 وتعد من أقدم الأقضية في العراق، لكن بعد 40 سنة وتحديداً في عام 1987 تم تحويلها مرة أخرى الى ناحية تابعة لقضاء بلدروز في ديالى.

مازن أكرم، قائمّقام مندلي أكد بأن الكورد يرحلون من القضاء الى المناطق الأخرى، "أعداد الكورد في تراجع مستمر، بالأخص في منطقة قرلوس التي تعد من أكبر مناطق مندلي التي كان جميع  سكانها فيما قبل من الكورد، غير انهم غادروا صوب بلدروز وبغداد وبعقوبة"، حسبما قال مازن لـ(كركوك ناو).

غياب الخدمات والصراعات الحزبية والمشاكل الأخرى، بلأخص بعد أحداث 16 أكتوبر دفعت الكثيرين من الكورد الى الهجرة من مندلي

ناحيتا بلدروز والقزانية كانتا تابعتين لقضاء مندلي، قبل أن يتم تحويل بلدروز الى قضاء وتصبح مندلي ناحية تابعة لذلك القضاء. لكن بعد استحداث قضاء مندلي اصبحت قزانية تابعة لمندلي الذي يقدر عدد سكانها بأكثر من 47 ألف نسمة، وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لسنة 2019.

يقول سالار حسين إن "لغتنا وزينا التقليدي على حافة الاندثار"، لافتاً الى أن الكورد ينشدون فرص العمل والخدمات لذا يتجهون الى مناطق ديالى الأخرى والعاصمة بغداد، "استبشرنا بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 بأن مندلي لن تواجه مجدداً مشكلة الإخلاء، لم نعرف بأن الأمور ستسوء أكثر".

تُقَدَّر أعداد الكورد الفيليين في العراق بأكثر من 800 ألف شخص، يقطن أغلبهم في محافظات ديالى، بغداد، وواسط. تعرض الفيليون إبان فترة حكم نظام البعث الى التهجير وسحب الجنسية كونهم كورد وينتمون للمذهب الشيعي في نفس الوقت. في عام 2010 اعتبرت المحكمة الجنائية العليا الجرائم التي ارتكبت بحقهم جرائم إبادة جماعية.

يقول قائمّقام مندلي إن غياب الخدمات والصراعات الحزبية والمشاكل الأخرى، بلأخص بعد أحداث 16 أكتوبر "دفعت الكثيرين من الكورد الى الهجرة من مندلي"، واضاف مازن أكرم بأن الدراسة الكوردية لم يعد لها وجود في مندلي منذ وقت طويل، دون أن يدلي بتوضيحات أو وعود بشأن تحسن الخدمات. 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT