في أزقة قضاء الحويجة بمحافظة كركوك، تسير سعاد (اسم مستعار) بدفع عربتها البسيطة، ملتقطة كل ما يُرمى في الطرقات أو يُترك في حاويات النفايات من زجاجات بلاستيكية وعلب معدنية. ما تجمعه، تبيعه لأصحاب معامل إعادة التدوير مقابل مبلغ بسيط يساعدها على سد احتياجات عائلتها.
ولدت عام 1983 وتزوجت في عام 2003. هي أم لتسعة أطفال: أربع بنات وخمسة أولاد، أكبرهم طالب في الصف الثالث المتوسط، بينما البنات الصغيرات لا زلن في المرحلة الابتدائية. فقدت زوجها منذ تسعة أشهر بعد معاناة دامت أربع سنوات مع المرض، الذي تركه مقعدًا وغير قادر على العمل.
رغم قسوة الظروف، تقول سعاد "كنتُ أعمل أي شيء لتأمين لقمة العيش لأطفالي. دفعتُ العربانة منذ سنوات، وكان زوجي دائمًا يعترض لأنه كان يرى أن العمل يرهقني. لكنني كنت أجيبه بأن أطفالي بحاجة إلى كل فلس أحصل عليه".
تصف سعاد تفاعل الناس معها بقولها، "أهالي المنطقة خيرون ويقدمون لي المساعدة، لكن عملي يجعلني دائمًا بمظهر متعب وغير مرتب. أنا لا أستحي من عملي لأن لقمة عيشي بالحلال، لكنني أحاول تجنب أي نظرة مسيئة".
وأضافت بتأثر "كثيرًا ما أسمع كلمات قاسية عن حالتي أو عن يدي التي أصابتها الإكزيما نتيجة العمل، لكنني أتجاهل تلك الكلمات وأقول الحمد لله".
لا تحصل سعاد على أي راتب تقاعدي، إذ تُوزع المستحقات بين ورثة الزوج المتوفى. "لا أملك أي دعم حكومي وأحتاج دائمًا لأخذ أطفالي الصغار معي أثناء العمل. أحيانًا أمنعهم من الذهاب إلى المدرسة لأنني أحتاج مساعدتهم. وجودهم معي يمنحني شعورًا بالأمان".
رغم كل شيء، تبقى أكبر أمنياتها الحصول على وسيلة نقل أفضل من العربانة، "أرغب بشراء (ستوته) أو أي وسيلة أخرى تقلل عنائي، خاصة ونحن مقبلون على فصل الشتاء. الطرقات تصبح أصعب، والعمل بالعربانة يرهقني أكثر مع البرد".
تشعر سعاد بثقل المعاناة على أبنائها، خاصة ابنها الأكبر الذي ترك الدراسة العام الماضي لمساعدة العائلة. "ابني يخجل مني عندما يراني أدفع العربانة، لكنه في نفس الوقت يشعر بالمسؤولية ويريد العمل بدلاً عني. أصر على أن يُكمل دراسته لأنني أؤمن بأن التعليم هو طريقه الوحيد للخروج من هذا الوضع".
تختتم سعاد حديثها بنداء إلى أهل الخير، "أتمنى أن أجد من يساعدني لشراء وسيلة نقل توفر عليَّ الجهد. وضعي يزداد سوءًا بعد أن فقدنا كل شيء بسبب الحروب، لكنني أتمسك بالأمل وأعمل من أجل أطفالي".