43 بالمائة من النساء تعرضن للعنف الألكتروني أكثر من مرة

العنف الالكتروني... سلاح صامت يهدد نساء العراق

بغداد/ 2020/ ماركة فعالة للنساء في التظاهرات الإحتجاجية ضد سياسيي العراق. تصوير: كركوك ناو

شورش خالد

تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي في العراق كسلاح صامت ضد النساء وذلك عن طريق العنف الالكتروني ونشر خطاب الكراهية الذي يؤثر إلى حد ما على النساء وتواجدهن في المنصات الالكترونية.

في فضاء العنف الالكتروني تصبح الناشطات النسويات واللائي يعملن في السياسة الضحية الأولى، إضافةً إلى النساء اللائي يعملن إلى جانب الرجال ويدرن أعمالاً مستقلة.

الأضرار التي يخلفها العنف الالكتروني ليست اقل من العنف الجسدي الذي تتعرض له النساء على أرض الواقع عن طريق التشهير، الإساءة، خطاب الكراهية والانتقام الإباحي.

الأخطر من كل ذلك والذي تيسّره التكنلوجيا يتمثل بوابل التعليقات المهينة والمدمرة، المنشورات المسيئة والصور ومقاطع الفيديو المفبركة، الخطوة الأكثر دماراً هو إنشاء حسابات وهمية بأسمائهن على شبكات التواصل الاجتماعي والتي تنشر صور ومقالات مفبركة تؤجج من الهجمات التي يتعرضن لها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تشير إحصائية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، 21 بالمائة من النساء في العراق تعرضن للعنف الالكتروني، 43 بالمائة منهن لأكثر من مرة وبطرق مختلفة، في حين أن 31 بالمائة من الرجال لم يخفوا ارتكابهم هذا النوع من العنف.

مثال حي

نهاية شهر آب الماضي، تدخلت الرطة المجتمعية في كركوك في قضية عنف الكتروني، بعد أن قدمت فتاة تدير عملاً مستقلاً شكوى عن طريق الخط الساخن.

تفاصيل القضية تعلقت بابتزاز الكتروني مارسه شاب عن طريق حسابه الالكتروني، حيث استهدف حساب فتاة على موقع فيسبوك كانت تستخدمه للترويج لمنتجات المحل الذي تديره في السوق.

مديرة شعبة تمكينالمرأة في ديوان محافظة كركوك، انتصار كريم، قالت لـ(كركوك ناو) إن "الشاب كان يبتزها الكترونياً باستمرار ويريد إرغامها على ترك عملها وإغلاق محلها".

الفتاة اتصلت عن طريق خط الحالات الطارئة (911) بالشرطة طالبةً النجدة، "تعرضت للكثير من الابتزاز الالكتروني، كانت منزعجة ومرهقة ولم يكن لديها حل آخر"، بحسب انتصار.

kch-2
تصوير:  Dingzeyu Li الصورة من موقع unsplash بتاريخ 2 شباط 2022

ولفتت انتصار إلى أن الشرطة المجتمعية عالجت المشكلة دون توضيح كيفية معالجتها، لكنها شددت بالوقا إن "الفتاة تمارس حالياً عملها بحرية ودون خوف".

وأضافت، "تحدث العديد من حالات الابتزاز الخطيرة التي تتعامل وعها وتعالجها الشرطة المجتمعية، لكن إذا علمت الشرطة بأن المشكلة كبيرة وغير قابلة للحل، تحيل القضية مباشرةً إلى المحكمة".

وفقاً لدراسة للأمم المتحدة، يتخذ العنف الإلكتروني أشكالا عديدة، بما في ذلك القرصنة، واستخدام التكنولوجيا لمراقبة أنشطة وتصرفات شخص ما، بما في ذلك مراقبة أماكن عمل النساء ومواقفهن من خلال التكنولوجيا، فضلا عن استخدام الكاميرات وتطبيقات الاتصالات لسرقة كلمات مرور البريد الإلكتروني ونسخ الرسائل والاتصالات، فضلاً عن نشر صور ومقاطع فيديو مفبركة دون موافقتهن.

العام الماضي، تعرضت الشخصية السياسية التركمانية والسكرتيرة السابقة لرئيس برلمان كوردستان، منى قهوجي، لسيل من الإساءات والتشهير على المنصات الالكترونية.

موجة الإساءات بدأت بعد احتجاجات قادتها قهوجي ضد جملة قرارات أصدرتها  المحكمة الاتحادية في 24 شباط  2024 حول قانون انتخابات برلمان كوردستان تضمنت تقليص عدد مقاعد كوتا الأقليات في كوردستان العراق من 11 مقعد إلى خمسة مقاعد.

امتزجت الإساءات على مدار اسبوع بصور ومقاطع فيديو لمنى قهوجي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.

مقطع فيديو لمؤتمر صحفي لمنى قهوجي نشر في 25 شباط، 2024، بمناسبة يوم الصحافة التركمانية جمع 7600 تعليق، حوالي 7 آلاف تعليق منها تضمنت تهكم وإساءات، أغلبها تضمنت عبارة "يلا عالمطبخ"، فضلاً عن 6100 رمز تعبيري (ايموجي) الضحك.

وقالت قهوجي، "أنا أدافع عن المكون التركماني"، مشددة على أن العنف الالكتروني والهجمات التي تعرضت لها على مواقع التواصل الاجتماعي لن تثنيها عن مهمتها.

وأظهرت دراسة للأمم المتحدة نشرت في آذار 2024، أن النساء في جميع أنحاء العالم أكثر عرضة للعنف الإلكتروني أو خطاب الكراهية بنحو 27 مرة مقارنةً بالرجال، على الرغم من أن احتمالات استخدامهن للإنترنت أقل بنحو 20% من الرجال.

العنف الالكتروني يمر مرور الكرام

في اقليم كوردستان الذي يتألف من أربع محافظات من مجموع 19 محافظة عراقية، 226 امرأة فقط سجلن شكاوى بخصوص العنف الذي تعرض له الكترونياً خلال عام 2024، وهذا العدد، بحسب المنظمات المحلية المعنية بأوضاع النساء، أقل بكثير من حالات العنف التي تتعرض له النساء.

وفقًا لإحصائية نشرتها منظمة المساعدة القانونية للمرأة (WOLA) في حزيران الماضي، تقدمت 70 امرأة بشكاوى ضد نشر صور ومقاطع فيديو خاصة بهن على مواقع التواصل الاجتماعي دون موافقتهن. ووفقًا للإحصائية، 57 امرأة اشتكين من تعرضهن للتهديد بنشر صورهن ومقاطع الفيديو الخاصة بهن، غالباً لإجبارهن على دفع المال أو الخضوع لرغبات الرجال الجنسية.

كونا مجيد، عضو فريق منظمة المساعدة القانونية للمرأة، التي توظف محامين متطوعين للدفاع عن النساء اللواتي تعرضن للعنف بكافة اشكاله، أعربت عن قلقها من عدم تنفيذ العديد من أوامر الاعتقال الصادرة في سياق العنف الأسري، الأمر الذي قد يكون سبباً لعزوف النساء عن تسجيل الشكاوى.

على سبيل المثال، في عام 2024، من مجموع 2093 أمر اعتقال لأشخاص تورطوا في ارتكاب حالات عنف ضد النساء بكافة أنواعه (الجسدي والالكتروني)، تم اعتقال 235 منهم فقط.

IMG_9847
كركوك/ 8 تموز 2025/ جانب من المؤتمر الثاني للشرطة المجتمعية. تصوير: كركوك ناو

استطلاع آخر للرأي نُشر هذا العام أظهر أن 21 بالمائة من النساء يخترن الصمت عند تعرضهن للإساءة، في حين أن 55 بالمائة منهن يتقدمن بشكاوى.

وتعتقد 39 بالمائة من النساء أن الجهات المعنية لا تُسهم في حل مشاكل النساء اللواتي يواجهن العنف، بما في ذلك العنف الإلكتروني، لذا تُطالب 64 بالمائة منهن بإنشاء محكمة خاصة لهذه القضايا.

ومع ذلك، ووفقًا لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تعتقد 41 بالمائة من النساء في جميع أنحاء العراق أن أفضل طريقة للتصدي للعنف الإلكتروني تتمثل بتدخل الشرطة، فيما يوافقهن الرأي 36 بالمائة من الرجال.

كما تعتقد 27 بالمائة من النساء أن على الحكومة تحسين سياساتها المتعلقة بالمنصات الإلكترونية كوسيلة جيدة لمكافحة العنف الإلكتروني القائم على النوع الاجتماعي.

عقوبات ومبادرات محلية لمناهضة العنف الالكتروني

تتعالى الأصوات في المجتمع العراقي لتشجيع النساء على التصدي للعنف وعدم السماح بمرور هذه الحالات بصمت، وهو ما يُنظر إليه كجبهة قوية ضد مرتكبي العنف الإلكتروني، خاصة وأن القانون داعم قوي لذلك.

وفقًا لقانون العقوبات العراقي، الذي دعا مجلس القضاء إلى بتعديله وتنفيذه، يُعدّ الاعتداء الجنسي بجميع أشكاله جريمةً ويُعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى عام واحد وغرامة مالية.

أما إقليم كوردستان العراق، فلديه قانونه الخاص للتعامل مع حالات العنف الإلكتروني، وهو القانون الذي يحظر إساءة استخدام الهواتف المحمولة.

وفقًا للمادة الثانية من القانون المعمول به حالياً في الإقليم، "يُعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار كل من أساء استخدام الهاتف أو الهاتف المحمول أو أي جهاز اتصال سلكي أو لاسلكي أو الإنترنت أو البريد الإلكتروني بقصد التهديد أو الاتهام أو نشر أخبار كاذبة أو أفعال مخلة بالشرف".

وتقول مسؤولة قسم تمكين المرأة في ديوان محافظة كركوك، غنتصار كريم، إن " الشرطة المجتمعية في العراق تعتبر ذات أهمية كبيرة لدعم النساء اللواتي يتعرضن للعنف الإلكترونيبإمكان النساء اللجوء إليهم دون تردد"، وأضافت، "أطمئنكم بأن جميع قضاياكم ستبقى سرية ومحفوظة".

وتابعن انتصار بالقول، "حالات العنف ازدادت بشكل كبير، لا سيما بحق الفتيات دون سن الثامنة عشرة، اللواتي قد يرضخن للعنف الإلكتروني خوفًا من ردود فعل أقاربهن ومجتمعهن".

الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وفرت خط طوارئ مركزي (911) لجميع المحافظات العراقية، ويمكن للنساء وجميع ضحايا العنف والابتزاز الإلكتروني الاتصال به.

كما خصصت إدارة كركوك الخط الساخن (497) للفتيات اللواتي يتعرضن للعنف والتهديد.

وفي إقليم كردستان، يتوفر الخط الساخن (119) للإبلاغ عن حالات العنف.

الشرطة المجتمعية، التي تعتمد عليها الحكومة العراقية في مثل هذه القضايا، قسم من منتسبيها من النساء، الأمر الذي يُمكّن النساء من التواصل معهن دون خوف أثناء تعرضهن لحالات العنف.

مسؤول في الرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية قال إن "خطوطنا الساخنة متاحة مجانًا. إحصائياتنا حول العنف والابتزاز الإلكتروني صادمة، لذلك نعقد باستمرار ندوات و ننشر حملات توعية عامة، ونشجع النساء على عدم الصمت، لأن الحكومة تُصرّ على محاربة مرتكبي العنف".

تقترح 42 بالمائة من النساء في إقليم كوردستان نشر الوعي القانوني والاجتماعي لمكافحة العنف الإلكتروني، بينما تعتقد 28 بالمائة منهن أن منابر المساجد ورجال الدين يُمكن أن يلعبوا دورًا في المجتمع العراقي.

وترى كونا مجيد، من منظمة المساعدة القانونية للمرأة، أن سنّ قانون يُجرّم إساءة استخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال في الكليات، وبناء علاقات جيدة بين وزارات الداخلية والتربية والتعليم والتعليم العالي والصحة والأوقاف، عامل مهم في الحد من العنف بكافة أشكاله.

وأشارت ايضاً إلى أهمية تعزيز دور الإعلام في نشر الوعي، وزيادة عدد المحققات في المكاتب والمديريات والمراكز المخصصة لمناهضة العنف.

 ليلى أحمد شاركت في إعداد هذا التقرير 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT