قاضي أول في محكمة الأحوال الشخصية بأربيل:
بنظر القانون النساء لا يتمتعن بأية حقوق في المدونة الجعفرية

أربيل/ أيلول 2025/ مسعود سعيد، قاضي أول في محكمة الأحوال الشخصية بأربيل    تصوير: فرمان صادق

فرمان صادق – كركوك ناو

وصف مسعود سعيد، قاضي أول بمحكمة الأحوال الشخصية في أربيل مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الاحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري بأنها تشكل خطراً على النساء، مشيراً إلى أنهن لن يتمتعن بأية حقوق ولن يكنّ مستقلات في اتخاذ قراراتهن. رغم أن المدونة لم تُفرض على السنة، لكن ليس هناك ما يمنعهم من اللجوء إليها لأنها تميل للرجل على حساب المرأة.

مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الاحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري أقر من قبل البرلمان العراقي أواخر شهر آب الماضي، بالاستناد إلى التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية. التعديل الجديد وإقرار المدونة قوبل بموجة من الاحتجاجات، بالأخص في صفوف الناشطات في مجال حقوق المرأة.

في هذه المقابلة مع (كركوك ناو)، يرى مسعود سعيد أن إقرار المدونة الجعفرية قضية سياسية وطائفية وليس ضرورة قانونية، في حين أن قانون الأحوال الشخصية يراعي على حد قوله جميع الطوائف والمذاهب وحقوق الإنسان بخلاف المدونة الجعفرية.

 

كركوك ناو: مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الاحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري  أقرت من قبل البرلمان في إطار التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية، ما هي معلوماتكم بهذا الخصوص؟

مسعود سعيد: ليست لدي معلومات كافية عن المدونة لأنها لم تنفذ بعد، وفيما يتعلق بإقليم كوردستان يجب إقرار المدونة مرة أخرى في برلمان كوردستان لكي يتم العمل بها رسمياً، وإذا لم يتحقق ذلك يجب أن يكون هناك طلبات مقدمة من قبل الراغبين بالزواج، في حال رفض القاضي ذلك يمكنهم تمييز القرار، حينها تقرر محكمة التنفيذ فيما إن كانت ستنفذ أم لا.

ما يتم تداوله الآن هو أن المدونة ليست مفروضة على أهل السنة، بل فرضت على أتباع المذهب الجعفري، لكن في قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل ذكر بخصوص عقد الزواج والمهر المؤجل (عند أقرب الأجلين)، وهذا يلائم كلاً من الشيعة والسنة، لكن الشيعة يقولون (عند المهر المؤجل) و (عند المطالبة والميسرة)، أي أنهم يستطيعون المطالبة به ما دلموا على قيد الحياة، وهذا معمول به في العراق.

إذا نفذت المدونة، بإمكان السنة والكورد أيضاً أن يطلبوا من القاضي أن تكون عقود زواجهم وفق المذهب الشيعي الجعفري، قد يكون كلا الطرفان كورديان، أو سنيان أو شيعيان، وقد يكون أحد الطرفين شيعي والآخر سني، هذا أمر طبيعي جداً.

كركوك ناو: هل كان هناك خلل أو نواقص في قانون الأحوال الشخصية لكي تكون هناك حاجة لإقرار المدونة الجعفرية؟

مسعود سعيد: القانون لم يكن فيه خلل أو مشاكل، كتب بصورة يلائم كافة مكونات العراق، أعتقد أن المدونة الجعفرية قضية سياسية وطائفية وليس ضرورة قانونية.

سن الزواج غير مذكور في المدونة الجعفرية، لكن الفتاة غير مستقلة في اتخاذ قرارها

كركوك ناو: تنفيذ أحكام المذهب الشيعي لا يفتح الباب الباب أمام السنة للسعي لإدخال فقه سني في شؤون الأحوال الشخصية؟

مسعود سعيد: إدخال فقه سني سيكون أمراً طبيعياً جداً، لأنه كما ذكرت المدونة الجعفري ي الأساس قضية سياسية وتأتي في إطار فرض الهيمنة كون الشيعة يملكون السلطة حالياً، لذا لا تستغرب إذا تبوأ السنة غداً السلطة أن يلغوا المدونة الجعفرية ويأتوا بواحدة أخرى.

كركوك ناو: هل قانون الأحوال الشخصية لم يراعي خصوصيات الشيعة والسنة، لأن الشيعة أظهروا بأنهم لا يجدون أنفسهم في هذا القانون؟

مسعود سعيد: إذا دققنا في القانون نراه يجمع بين الفقهين السني والشيعي، من ضمنها المذهبان الجعفري والمالكي، فهو قانون متكامل بغلاف مدني، لا يوجد فيه تمييز طائفي، لا تسود فيه التوجهات الحزبية والسياسية والأيديولوجية، لكن تنفيذ المدونة الجعفرية يفتح الباب لفصل أهل السنة والكورد عن الشيعة.

كركوك ناو: كيف تنظم المدونة الجعفرية عمر الزواج في الوقت الذي يخشى فيه المعارضون من أنها تمهد الطريق لتزويج الفتيات من سن التاسعة أو دون السن القانونية؟

مسعود سعيد: سن الزواج غير مذكور في المدونة الجعفرية، لكن الفتاة غير مستقلة في اتخاذ قرارها، بل يكون والدها ولي أمرها ما دامت في منزل والدها، وحين تتزوج يصبح زوجها ولي أمرها، أي أنها لا تتمتع بأي استقلالية في اتخاذ القرار.

كركوك ناو: يقال أن من المخاوف الأخرى أن فقرات المدنة الجعفرية مطاطية ويمكن أن يستخدمها ولي أمر الفتاة لتزويجها قبل بلوغ السن القانونية؟

مسعود سعيد: تقول المدونة إن كانت هناك مشكلة تتعلق بتزويج الفتاة يجب العودة إلى (المجمع العلمي) التابع للوقف الشيعي. هذا المجمع يضم مجموعة من القضاة، وفي حال لم تعالج المشكلة في المجمع يجب العودة إلى الفقه النجفي. لا أعرف بالتحديد ما السن التي يسمح فيها الشيعة بزواج الفتيات، لكن البعض يقول تسع سنوات، متحججين بأن عائشة تزوجت في هذا العمر، والبعض يقولون أنها كانت في سن الـ16.

hakil masoud erbil 2025 (1)
أربيل/ أيلول 2025/ حوار بين القاضي مسعود سعيد وفرمان صادق    تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو: هل حقوق النساء محفوظة وفق المدونة الجعفرية أم لا، إذا كانت حقوقهن مهمشة فهل يتواءم ذلك مع مضمون الدين الإسلامي؟

مسعود سعيد: النساء لا يتمتعن بأية حقوق في المدونة الجعفرية، تكون ويلايتها بيد والدها إلى أن تتزوج، لكن عند أهل السنة حين تكمل الفتاة سن الـ18، تصبح الولاية بيدها، في حين بموجب المدونة الجعفرية لا يسمح لهن بالإدلاء بشهاداتهن في أي قضية دون موافقة الأب أو الزوج.

في قانون الأحوال الشخصية إذا تزوجت الفتاة وفق الشرطين اللذين حددهما القانون سيصبح لديها الولاية لتسجيل دعاوى في المحكمة وحتى المطالبة بالطلاق، أي لا يتوجب الإنتظار لحين إكمال سن الـ18، بخلاف ذلك، لا تملك النساء الولاية في المدونة الجعفرية لذا  لا تكون لهن أية حقوق، إذا هجرت منزل زوجها فلن ينفق الزوج عليها وتوضع أمام خيارين، إما العودة إلى زوجها أو الطلاق، لكن النساء يتمتعن بالكثير من الحقوق في قانون الأحوال الشخصية.

كركوك ناو: ذكرت بأنه وفقاً لقانون الأحوال الشخصية تتمتع النساء بكافة حقوقهن بخلاف المدونة الجعفرية، إذن بالاستناد إلى خبرتكم وتجربتكم في محكمة الأحوال الشخصية، كم نسبة الشكاوى الواردة إليكم التي تحسم لصالح النساء؟

مسعود سعيد: القانون رقم (188) لسنة 1959 المعدل يراعي كافة الطوائف والمذاهب، كما يراعي حقوق الإنسان، لذا فإن النساء لا يخسرن أي شكوى باستثناء بعض الحالات الخاصة. بموجب القانون تنال المرأة كافة حقوقها كالنفقة، المهر الحاضر والمؤجل، الذهب، حضانة الطفل حتى سن الـ15، الإقامة في منزل الزوج لثلاث سنوات، لذا نرى بأن 99 بالمائة من الشكاوى تحسم لصالح النساء، لكن وفق المدونة الجعفرية فإن الخاسر الأكبر هم النساء ونسبة فوزهن بالقضايا هي صفر.

كركوك ناو: هل أنت مع العمل بالمدونة الجعفرية في إقليم كوردستان؟

مسعود سعيد: لا استطيع الإدلاء برأيي، هذا من اختصاص البرلمان.

كركوك ناو: خارج إطار عملك كقاضي، كمواطن هل أنت مع تطبيق المدونة الجعفرية في إقليم كوردستان إذا كانت تنتهك حقوق الإنسان لهذا الحد؟

مسعود سعيد: كما قلت، هذه المدونة كتبت للشيعة ولم تفرض على الكورد والسنة.

كركوك ناو: لكن إذا جاءك شخصان وطلبا عقد زواجهما وفق المدونة الجعفرية، هل يمكنك رفض طلبهما؟

مسعود سعيد: إذا حضرا أمامي واتفقا على أن تكون المدونة عائقاً أمام زواجهما ولا يدخل ضمن المحظورات، فسأعقد زواجهما وفقاً للمدونة الجعفرية، لكن هناك قضاة آخرين لا يفعلون ذلك. في الوقت نفسه، يمكننا رفض عقد الزواج لأن برلمان كوردستان لم يُصادق على المدونة. في هذه الحالة، يمكن للمدعي رفع دعوى تظلم. إذا رفضنا ذلك، فله الحق في تمييز القرار، وحينها تقرر محكمة التمييز تلبية الطلب من رفضه.

أتصور أن أناساً كثيرين من غير المذهب الشيعي سيلجؤون للمدونة لأنها تميل في صالح الرجال

كركوك ناو: إذا فرضنا أن مواطناً عربياً مقيماً في إقليم كوردستان راجع محكمة الأحوال الشخصية لعقد الزواج وطلب عقد زواجه وفق المدونة الجعفرية، ماذا سيكون ردكم؟

مسعود سعيد: في هذه الحالة سأعقد زواجهما.

كركوك ناو: هل وردك حتى الآن اي طلب لعقد الزواج وفق المدونة الجعفرية؟

مسعود سعيد: المدونة تنص على أنها للشيعة، لكن يسمح للسنة والكورد أيضاً بعقد الزواج وفق هذه المدونة، أتصور أن أناساً كثيرين من غير المذهب الشيعي سيلجؤون للمدونة لأنها تميل في صالح الرجال، وإثباتاً لقولي فقد جاءنا مواطن عربي من المذهب السني مقيم في أربيل وطلب منا تغيير عقد زواجه ليصبح وفق المدونة الجعفرية.

كركوك ناو: وهل نفذتم طلبه؟

مسعود سعيد: لم ننفذ طلبه، لكن هذا دليل على أنه سيكون هناك إقبال عليها. سألته لماذا تريد تغيير عقد زواجك فأجاب: لقد فرضوه علينا، لأن المدون تقول أن بإمكان الذين عقدوا زواجهم في السابق تغييره للمدونة الجعفرية. أتوقع أن يزداد الإقبال على المدونة الجعفرية حيث أن هناك أعداد كبيرة من العرب يقيمون في إقليم كوردستان.

كركوك ناو: بصفتك قاضياً، هل ترى أن هذا الموضوع يشكل خطراً؟

مسعود سعيد: نعم يشكل خطراً على حقوق المرأة. 

كركوك ناو: إذا أصبح إقليم كوردستان بين خيارين، إما تنفيذ أو رفض المدونة الجعفرية وطلبوا رئايك، ماذا سيكون ردك؟

مسعود سعيد: المدونة إذا نفذت فهي ضد حقوق النساء والأطفال. فضلاً عن ذلك، فإن فقدان النساء للولاية أمر خطير، لذا إذا طلب الإقليم رأيي فأنا ضد العمل بالمدونة الجعفرية في إقليم كوردستان. 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT