السياسيون يؤكدون دائماً على الحقيقة التي تقول بأن المرأة نصف المجتمع وقد أُعطوا وعودا باعطائهن أدواراً رئيسية ضمن النظام الداخلي لمعظم الأحزاب، لكن الأمر مغاير في الواقع. النساء مهمشات في ادارة الدولة، بحيث يشغلن نسبة 5% فقط في أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.
التشكيلة الأخيرة للحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، والتي مُنِحَت الثقة من قبل مجلس النواب في السادس من أيار 2020، تضم امرأة واحدة فقط، في حين أن النساء يشكلن نسبة 25% من البرلمان العراقي.
في الدستور العراقي، اضافةَ الى تثبيت نظام الكوتا، نصت المادة 20 على أن للناس اسوة بالرجال حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.
النساء أقلية في الحكومة
على مدار 17 عاماً من الحكم بعد سقوط نظام البعث، شهدت مشاركة النساء في الحكومات المتعاقبة انحسارا مستمراً.
وبعد عام 2003، أول وزيرة عراقية كانت نسرين برواري التي تولت مهام وزارة الأشغال العامة في حكومة مجلس الحكم الانتقالي.
وشهدت الحكومة العراقية الانتقالية برئاسة اياد علاوي (2004 – 2005) أكبر مشاركة نسوية، حيث ضمت ستة وزيرات وهي نسبة لم تصل اليها اية كابينة وزارية لحد اليوم.
في الحكومة الانتقالية التي ترأسها ابراهيم الجعفري (2005 – 2006) استلمت خمس نساء مناصب وزارية.
وضمت أول حكومة عراقية منتخبة نالت الثقة من البرلمان تشكلت برئاسة نوري المالكي (2006 – 2010) مشاركة ثلاث نساء، أما الكابينة التالية لنوري المالكي (20210 – 2014) ضمت وزيرتين.
الحكومة التي تشكلت بعد ظهور داعش، برئاسة حيدر العبادي (2014 – 2018) شهدت مشاركة امرأتين احداهما تسلمت منصب وزيرة دولة وتم الغاؤها فيما بعد، الى أن أعطيت حقيبة وزارية لمرشحة أخرى في عام 2016.
الكابينة الوزارية التي أعلنها عادل عبد المهدي في عام 2018 والذي أُجبِرَ على الاستقالة تحت ضغوط المتظاهرين في 2019 لم تضم اية وزيرة في البداية، ولكن في الأيام الأخيرة من عمر الحكومة نالت امرأة ثقة البرلمان لتولي وزارة التربية.
أما الكابينة الحالية الغير مكتملة، برئاسة مصطفى الكاظمي، والتي تمكنت من نيل الثقة ل 15 من أصل 22 وزارة، فتضم لحد الآن وزيرة واحدة.
الكوتا، منقذة النساء
في البرلمان العراقي تم تثبيت حق مشاركة النساء حسب الدستور والقانون، في بعض الأحيان تحصل النساء على أصوات تخولها لنيل مقاعد أكثر من المخصصة لها حسب نظام الكوتا.
منذ عام 1925 حتى 1980، لم يكن للنساء حق الترشح لعضوية البرلمان، بعد ذلك التاريخ حصلن على هذا الحق وتمكنت أعداد متفاوتة من النساء من الفوز بمقاعد في البرلمان أو مجلس الشعب أو السلطة التشريعية.
بعد عام 2003 وبدء مرحلة جديدة من الحكم في العراق، تم تثبيت كوتا النساء بموجب الدستور وبعد ذلك بالقوانين التشريعية، وأُشتُرِط َ أن لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة للنساء نسبة 25% من مجموع المقاعد البرلمانية.
في الدورة البرلمانية الأولى في عام 2005، تمكنت النساء من ضمان 70 مقعدا من مجموع 275 مقد في البرلمان حسب نظام الكوتا.
في الدورة البرلمانية الثانية في 2010، بلغ عدد مقاعدهن الى 83 مقعداً.
في انتخابات 2014، وصلت 83 امرأة الى البرلمان، 22 منهن وصلن بالأصوات التي حصلن عليها دون الاعتماد على نظام الكوتا.
في الدورة البرلمانية الأخيرة في 2018، حازت النساء على 84 مقعداً من مجموع 329 مقعد برلماني، بعضهن انتخبن خارج نظام الكوتا.
نساء التظاهرات يطمحن في مناصب حكومية
تشدد النساء والناشطات المشاركات في التظاهرات التي تشهدها العراق منذ تشرين الأول 2019 على ضرورة أن يشاركن في الحكومة حسب الامكانيات التي يمتلكنها ويرفضون مشاركة غير فعالة حسب نظام الكوتا.
لمياء العامدي، احدى الناشطات المشاركات في تظاهرات العراق تؤمن بأن مقاعد الكوتا تقلل من دور المرأة، لأنهن أثبتن جدارتهن على كل المستويان وفي كل المجالات ولسن بحاجة الى الكوتا.
"النساء لسن بحاجة الى نظام الكوتا، بل بحاجة الى نشر الوعي والثقافة في المجتمع لتغيير نظرة المجتمع الى النساء، الأوضاع وصلت مرحلة حتى النساء أنفسهن لا يمنحن أصواتهن للمرشحات وهذه مشكلة كبيرة."
وتعتقد لمياء بأن "مشاركة النساء في العملية السياسية مشاركة ضعيفة وأنهن يتم تحريكهن من قبل رؤساء الكتل البرلمانية والأحزاب."
تشير احصائية غير رسمية حصلت عليها (كركوك ناو) من ساحة التحرير، الى تواجد حوالي 300 امرأة يوميا بشكل دائم في ساحة التظاهرات ببغداد والمحافظات الأخرى، للاحتجاج ضد الفساد وتدهور الخدمات، ويطالبن بمشاركة فعالة للنساء في ادارة البلاد.
"يجب ترشيح النساء المتمكنات والجريئات وليس اللاتي يتم تحريكهن بالريموت كنترول (أجهزة التحكم عن بعد)... كذلك نلحظ بأن هناك الكثير من المرشحين الرجال الذين لا يستحقون الترشح، في حين هناك العديد من النساء باستطاعتهن ادارة المناصب بصورة افضل"، حسبما تقول لمياء العامدي.
ودعت هذه الناشطة المنظمات النسائية الى عدم قبول هذه الأوضاع وأن لا يرضين من الآن فصاعداً بتهميش النساء، وتقول "عدم منح المناصب العليا للنساء يمثل كارثة واشارة خطيرة في العملية السياسية لا يجب السكوت عليها."
الرغبة في القيادة
بعض السياسيات لا يقف طموحهن باعتلاء مناصب برلمانية أو حكومية بل تؤكدن على أن يتعدى ذلك الطموح الى تولي رئاسة البلاد.
النائبة في البرلمان العراقي، محاسن حمدون، تحدثت لـ(كركوك ناو) قائلة "طموح النساء لا يقف عند تولي منصب المدير العام أو الوزير، بل ترغبن في تولي الرئاسات الثلاث التي تشمل رئاسة البرلمان، رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، بالرغم من أن الوصول الى تلك المناصب أمر مستبعد حالياً."
في مفاوضات تشكيل الحكومة يشارك أقل عدد من النساء وقلة منهن يترشحن، لا يوجد قانون يلزم الحكومة بتخصيص نسبة من المناصب للنساء.
"في الواقع، النساء لم تتمكنن من لعب ذلك الدور الذي يجب أن تلعبنه، النساء بصورة عامة في العراق لم تُعطَين حقوقهن ويتعرضن للظلم" كما تقول النائبة محاسن حمدون.
محاسن تنتقد السياسيين لعدم تمكنهم من التخلص من التقاليد الذكورية، "وانعكس ذلك على الأحزاب وتوزيع المناصب الوزارية نزولاً الى منصب مدير دائرة."
لا تلوم محاسن حمدون النساء، وتقول بأنهن فعلن ما بوسعهن للمطالبة بحقوقهن ورفعن أصواتهن ولكن "مع الأسف، في السياسة صوت الذكور مسموع أكثر."
النساء لم تفقدن الأمل
تأمل بعض النساء البرلمانيات بأن تقوم الأحزاب بمراجعة سياساتها وأن ينفتح المجتمع أكثر لكي تتمكنن من لعب دورهن الحقيقي.
"نأمل وننتظر أن تراجع الأحزاب أنفسها وأن ينفتح المجتمع أكثر،... ها نحن نرى ذلك في اقليم كوردستان حيث تتولى امرأة رئاسة البرلمان" تقول النائبة في البرلمان العراقي اخلاص الدليمي.
في اقليم كوردستان، مناصب رئاسة وسكرتارية البرلمان تشغلها نساء، كما تتولى نساء أخريات بعض الوزارات.
في هذا الشأن قالت اخلاص لـ(كركوك ناو) "النساء اكثر جدية من الرجال في تأدية المهام، هن أكثر التزاماً، ولكن رغم هذه الصفات الجيدة، يتعرضن للتهميش، في حين كان ينبغي منحهن أدواراً جدية ومؤثرة وأن يتم تقدير جهودهن."
خلال الانتخابات البرلمانية في 2018 ترأست النساء بعض الائتلافات والقوائم الانتخابية.
تقول النائبة اخلاص الدليمي بأن النساء رغم تأثيرهن على جميع الأحداث، ومشاركتهن في السلطة التشريعية، الاّ أن دورهن في الحكومة في تراجع مستمر.
"الظروف المستجدة تدعو للتفكير والتأمل، حتى من الناحية القِبَلية لم يتم تهميش النساء بهذه الصورة"، تضيف اخلاص الدليمي مستشهدة بالدعم الذي حظت به من قبل عشيرتها التي دعمت ترشحها لعضوية البرلمان.
وتابعت بقولها "مع الأسف، أحزابنا لا ترى سوى الرجال، لا تعطي الفرصة للنساء بل بالعكس ينظرن اليها كشخصية ضعيفة."
ما يثير استياء اخلاص الدليمي هو الضجيج الذي يخلقه بعض السياسيين الذين يرون مشاركة النساء في أي مجال أمراً معيباً، ناهيك عن توليهن مناصب وزارية في الحكومة.