"إِعلاء الأصوات في ساحة التحرير تأثيرها أكبر على السلطة، ومشاركة النساء يزيد من هذا التأثير"، على هذا الأساس غادرت هيلين سمير (23 عاما) مدينة بعقوبة وتوجَّهَت الى ساحة التحرير في بغداد لكي تلعب دورها جنبا الى جنب مع آلاف المتظاهرين.
تعود مشاركة هيلين، وهي ناشطة مدنية من بعقوبة، الى بداية انطلاق التظاهرات الاحتجاجية في العراق في تشرين الأول 2019، ضد البطالة، الفساد والتمييز قبل أن تمتد الى المطالبة بتغيير نظام الحكم.
"زمن خوف وسكوت النساء قد انتهى، حان الوقت لكي نطالب بحقوقنا ونعلن مطالبنا جنبا الى جنب مع الرجال.."، وتضيف هيلين سمير بأن حضور نساء المحافظات الأخرى في ساحة التحرير يعطي قوة للتظاهرات. "عندما يكون هدفنا واحد، يجب أن نكون معاً في المكان الذي باستطاعتنا إِحداث التأثير."
من هذا المنطلق، قَدِمَت هيلين رفقة عشرات النساء الأخريات من محافظات العراق الأخرى الى ساحة التحرير- أكبر ميادين التظاهرات في العراق.
مشاركة نساء المدن والمحافظات الأخرى أعطى صورة أوسع وأكثر شمولية لساحة التظاهرات، وكما تقول هيلين منحته تأثيراً أكبر.
شيلان عادل، ناشطة من قضاء خانقين في محافظة ديالى، قالت لـ(كركوك ناو) بأنها كانت تأتي الى بغداد حسبما كان وقتها يسمح بذلك لكي تشارك في التظاهرات، وذلك بعد أن استمرت التظاهرات في القضاء الذي تسكن فيه ليومين فقط قبل أن يتم تفريقها.
"هذه الحكومة انتهكت حقوق المواطنين في كل أجزاء العراق، لذا فاِنًّ إصلاحها يَتَطلَّبُ تكاتف الجميع" تقول شيلان.
بصورة عامة، تشير احصائية غير رسمية حصلت عليها (كركوك ناو) من ميدان التحرير، الى تواجد حوالي 300 امرأة يوميا بشكل دائم في الميدان، بعضُهنَّ قَدِمنَ من محافظات لم تشهد تظاهرات، أو أن التظاهرات فيها استمرت أياما معدودات، كما حدث في كل من كركوك، ديالى وصلاح الدين.
دَأَبَت شيلان على توفير المساعدات اللوجستية للمتظاهرين وتزويدهم بمستلزمات السلامة، أو تنظيم أمور الخيم التي كانت قد نُصِبَت للمتظاهرين في ميدان التحرير بمعونة رفيقاتها، غير أن ذلك لم يمر عليها بسلام، فتقول "وصلتني رسائل تهديد نصية عن طريق الجوال وطلبوا مني عدم المشاركة."
رغم أن تلك التهديدات أثارت الذعر لدى شيلان، غير أنها لم تنجح في إبعادها كلياً عن ميدان التحرير، حيث تقول "ابتعدت لفترة لكي أحمي نفسي، لكنني عدت للمشاركة من جديد."
خلال العقدين الفائتين، يمكن اعتبار الشهور الخمس الأخيرة الأكثر تأثيراً، فتحت ضغوطات المتظاهرين، اضطر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الى تقديم استقالته في كانون الأول 2019.
بعد ذلك، رفض المتظاهرون تكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة، رغم وعوده التي قدمها بمحاسبة المتورطين في أحداث العنف التي طالتِ المتظاهرين.
في ظل معارضة الشارع العراقي، فشل علاوي في تشكيل كابينته الوزارية واضطر للانسحاب من التكليف.
حاليا يقف المتظاهرون ضد تكليف مرشح جديد لرئاسة الوزراء وهو عدنان الزرفي والذي تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح بدعم من بعض الكتل الشيعية.
التأثير الذي صنعه المتظاهرون لم يأتِ دون تضحيات، فمنذ انطلاق التظاهرات، قُتِلَ 650 شخصاً وأصيب أكثر من 25 ألفً آخرين، حسبما أفادت به فاتن حلفي، العضوة في المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق ل(كركوك ناو).
وأكدت فاتن بأن المفوضية لم تتمكن من تحديد مدى الانتهاكات التي تعرضت لها النساء المتظاهرات واللاتي تصل نسبتهن في ميدان التحرير، حسبما اشارت اليه، الى حوالي 12%.
الى جانب مشاركة النساء من المحافظات الأخرى، فاِنَّ تواجد النساء من مختلف المكونات القومية والدينية في ميدان التحرير، بِرَأي رؤى خلف وهي ناشطة من بغداد، قد أدّى الى تجسيد صورة سلمية للتظاهرات وأحبطت محاولات زرع الفتن والمؤامرات من قبل بعض القوى التي ترغب في انهاء التظاهرات.
"النساء أصبحن مصدر تحفيز أكثر للرجال للاستمرار وحماية ساحة التظاهرات" تقول رؤى.
فيما تقول سجى البياتي، وهي فتاة تركمانية تعيش في بغداد، بأن جُلَّ محاولاتهم تهدف الى اِدامة التظاهرات والعمل من أجل منع تدخل دول الجوار في تشكيل الحكومة الجديدة.
تضيف سجى "التحرير لم يعد ميداناً للتظاهرات فقطن بل أصبح وطناً مصغراً لكل العراقيين، ويجب أن تصدر القرارات من هنا."
لا تزال خيم المتظاهرين متواجدة في ساحة التحرير، رغم قرار حظر التجوال المفروض لمنع تفشي وباء كورونا، والذي تسبب أيضاً في تعليق اجتماعات مجلس النواب العراقي.
نجوى غفور، خريجة معهد الفنون الجميلة، سَخَّرَت فَنَّها مع رفقائها في ميدان التحرير لخدمة المتظاهرين، ترسم لوحات في نفق ساحة التحرير لِتُلهِم وتشجع النساء على المشاركة، وتزيِّن الشعارات المكتوبة على الجدران. تقول نجوى "جزء من عملي مخصص للتعبير عن الوضع الذي يعيشه العراق، أقوم بتجسيد هذا الوضع بصورة ساخرة."
تنظر نجوى بأهمية الى مشاركة النساء من كافة مدن العراق في تظاهرات ميدان التحرير وتقول "من خلال ذلك نستطيع توحيد مطالب النساء في اطار التظاهرات وأن نعمل لإنهاء ظاهرة تزويج الأطفال، حماية حقوق المرأة ورفع نسبة مشاركة النساء في مراكز صنع القرار."