الأرمن في العراق، أقلية على حافة الاندثار

دهوك/ حزيران 2020/ عائلة أرمنية نزحت من نينوى واستقرت في قرية هوريسك منذ ست سنوات تصوير: عمار عزيز

عمار عزيز

أعداد الأرمن في العراق في انحسار متواصل فيما تتجه هذه الأقلية نحو حافة الاندثار، و ذلك بتأثير المصائب و المحن التي تواجههم في العراق، من بينها التهديدات و النزوح.

استمرار معاناة الأرمن سبّبَ نوعاَ من الاحباط لأبناء تلك الأقلية بالرغم من أن بعضهم لا يزال يتطلع للحفاظ على هويتهم و وجودهم.

جانيت نزار بوليان، امرأة أرمنية، تنحدر أسرتها من مدينة أورفة التركية، لكن الاعتداءات التي تعرضوا لها في عصر الدولة العثمانية أجبرتهم على النزوح الى العراق ليستقروا في قضاء تلعفر التابع لمحافظة نينوى، غير أنهم لم يجدوا الأمان في العراق أيضاَ.

قبل ست سنوات، نزحت جانيت و عائلتها الى اقليم كوردستان جراء حرب داعش تاركين كل شيء وراءهم، هم الآن يعيشون في محافظة دهوك. تقول جانيت "ورثنا النزوح عن آبائنا و أجدادنا، كل جيل يهاجر من منطقة الى أخرى، و هذا هو السبب وراء تناقص أعداد الأرمن في العراق."

تضيف جانيت " تعرضنا للاضطهاد على يد الدولة العثمانية قبل قرون مضت، و تكرر الأمر لاحقاً في العراق من قبل داعش، يبدو أن هذا قَدَرُنا."

armani la dhok . hawresk (7)

دهوك/ حزيران 2020/ رجل يتجاذب أطراف الحديث مع اطفال أرمنيين في قرية هوريسك   تصوير: عمار عزيز 

 متي جورج، طالب أرمني نزح أيضاً مع عائلته الى دهوك قبل ست سنوات، كانوا يعيشون سابقاً حياةً طبيعية في قضاء سنجار، لكنهم الآن يقضون حياةً مريرة في منزل مؤجر.

يقول متي "كنا 15 عائلة أرمنية في سنجار نعيش في وئام و دون مشاكل مع اخواننا الايزيديين و المكونا الأخرى في المنطقة، لكن كل شيء انقلب رأساً على عقب". عائلة متي لم يعد باستطاعتها العودة الى سنجار و يقول بأنهم يواجهون الخطر و لا يأمنون على ارواحهم هناك.

لا تتوفر احصائية دقيقة بأعداد الأرمن في العراق، البعض يقدّر أعدادهم بحوالي 20 ألف شخص، لكن رئيس الطائفة الأرمنية في محافظة دهوك يقول بأن عددهم في اقليم كوردستان يصل الى ثلاثة آلاف نسمة، أما عددهم الكلي في عموم العراق فيبلغ 12 ألف نسمة.

الغالبية العظمى من الأرمن يعيشون في بغداد، سهل نينوى، مدينة الموصل، كركوك واقليم كوردستان، غير أن رئيس الطائفة الأرمنية بروانت أمينيان لم يخف قلقه من تراجع أعداد المكون الأرمني بصورة أكبر.

و قال أمينيان لـ(كركوك ناو) "نتطلع حالياً لأن يكون هناك في العراق إقرار بأن الأرمن قد تعرضوا للإبادة الجماعية، إن تحقق ذلك فأتصور بأن الأرمن لن يتعرضوا بعدها للنزوح و المآسي، للأسف الشديد، حقوق الأرمن و المسيحيين لا تزال تُنتَهَك في العراق". و استشهد أمينيان في حديثه بالهجمات التي تعرضت لها مناطقهم من قبل مساحي تنظيم داعش في عام 2014، مما أدى الى ترحيل قسم منهم قسرياً، فيما تعرض قسم آخر للقتل و الاختطاف.

تطلع حالياً لأن يكون هناك في العراق إقرار بأن الأرمن قد تعرضوا للإبادة الجماعية

"الحسنة الوحيدة التي نمتلكها هي أننا لا نعتبر أنفسنا مواطنين من الدرجة الثانية، بل نعتبر أنفسنا مثل غيرنا من المواطنين في العراق، و ذلك لكي نتمكن من تجاوز التحديات و لكي لا نندثر"، حسبما قال أمينيان.

armani la dhok . hawresk (2)

دهوك/ حزيران 2020/ كنيسة أرمنية في قرية هوريسك   تصوير: عمار عزيز 

هجرة الأرمن الى العراق تعود لبداية القرن العشرين، "حينما أُجبِرنا على الهجرة من قبل الدولة العثمانية"، وفقاً لما قال أمينيان. بصورة عامة، البعض من الأرمن القاطنين في دهوك و نينوى، أتوا الى العراق في عام 1918 و استقروا في تلك المناطق.

يسكن قسم من الأقلية الأرمنية في حي يدعى كيسته يقع في قضاء زاخو بدهوك، و كانت أول كنيسة خاصة بالأرمن في العراق قد افتتحت في عام 1932، على حد قول أمينيان.

و أضاف رئيس الطائفة الأرمنية بأن "قسماً آخر من الأرمن جاؤوا الى العراق بسبب التجارة و وصلوا الى البصرة عن طريق الميناء و استقروا فيها.

قسم من الأرمن جاؤوا الى العراق بسبب التجارة و وصلوا الى البصرة عن طريق الميناء

تضم محافظة دهوك اربعة كنائس خاصة بالأرمن، فيما توجد كنيستان في أربيل، ثلاث كنائس في بغداد، كنيسة واحدة في كل من كركوك و البصرة و كنيستان في نينوى غير أنهما تعرضتا لدمار خلال الحرب ضد داعش و لم تتم اعادة بنائهما.

و أوضح بروانت أمينيان "حسب احصاءاتنا، هاجر أكثر من 20 ألف أرمني الى خارج العراق منذ عام 1991  لحد الآن... لولا تداعيات كورونا، لَغادر عدد أكبر البلاد."

"المنطقة ليست آمنة بالنسبة لنا، شبعنا من الحرب، القتل و النزوح، الأرمن يبحثون عن الأمان، لذا يهاجرون، العراق ليس بالمكان الذي يجدون فيه ضالّتهم."

شبعنا من الحرب، القتل و النزوح، الأرمن يبحثون عن الأمان، لذا يهاجرون، العراق ليس بالمكان الذي يجدون فيه ضالّتهم

 حسب نظام الكوتا، يمتلك الأرمن مقعدين في برلمان اقليم كوردستان، لكن مساعيهم في بغداد للحصول على مقاعد باءت بالفشل.

فاهيك كمال سوغون، عضو برلمان كوردستان عن المكون الأرمني قال لـ(كركوك ناو) "نمارس طقوسنا و مراسيمنا الدينية بحرية، توجد في دهوك ثلاث مدارس خاصة بالأرمن... لكننا نطالب بمزيد من الحقوق، على سبيل المثال، جميع الأقليات الأخرى لديها مقاعد في البرلمان العراقي بموجب نظام الكوتا، باستثناء الأرمن."

armani la dhok . hawresk (4)

دهوك/ حزيران 2020/ قرية هوريسك التي يقطنها الأرمنيون   تصوير: عمار عزيز 

في ايار 2019، وجّه آفاك آزادوريان، مطران الأرمن في بغداد كتاباً رسمياً الى رئاسة جمهورية العراق لحثها على العمل لتأمين مقعد كوتا للأرمن، لكن محاولته لم تثمر عن شيء.

و قال فاهيك كمال سوغون "اذا ظلّ الأرمن مهمشين بهذه الصورة، فلن يبقى أرمني في العرق بعد 10 سنوات من الآن."

من جانبه يقول آنو جوهر، وزير النقل و الاتصالات في حكومة اقليم كوردستان عن المكون المسيحي بأن الهجرة الى خارج البلاد شمل جميع المسيحيين و ليس الأرمن فقط، "نحن في حكومة اقليم كوردستان سعينا للحؤول دون هجرة المسيحيين للخارج و شجعنا بقاءهم كمكوّن أصيل... بصورة عامة، نحن بحاجة الى نقطتين لوضع حد للهجرة خارج البلاد، الأولى: تفعيل القوانين الخاصة بالمسيحيين، الثانية: أن تقوم القيادة السياسية في اقليم كوردستان بكافة القوى و الأحزاب بمواصلة دعمها لحقوق المكونات و ايلاء أهمية خاصة لهم."

رغم ذلك، لا توجد للآن ضمانات كاملة تخص حقوق المسيحيين، من ضمنهم الأرمن، فها هي جانيت نزار بوليان، الامرأة الأرمنية التي جاءت أسرتها قبل 100 عام من مدينة أورفة التركية الى العراق و استقرت في تلعفر، لا تزال تعيش كنازحة في دهوك، تقول جانيت "حيتنا أصبحت عبارة عن نزوح، نريد أن نرتاح، لا ندري ما هي وجهتنا القادمة التي سننزح اليها."

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT