على الجانب الغربي لمدينة الموصل وفي قلب مدينتها القديمة، يحط ركام الجامع النوري الكبير رحاله، بعد ان تعرض ومئذنته منارة الحدباء الشهيرة الى تفجير من قبل عناصر تنظيم الدولة "داعش" في عام 2017.
وما زالت منارة الحدباء تنتظر ان تقف من جديد لتلقي بظلالها على جامع النوري، إلا ان التصميم الجديد المقترح لإعمارهما من قبل منظمة اليونسكو اثار موجة من الجدل بين المعارضين له كونه لا يشبه البناء القديم ويفتقر للمسات الموصلية، واخرين داعمين بحجة "الحداثة".
"لم يتم المباشرة باعادة بناء وترميم المواقع الاثرية التي دمرت إلا لعدد محدود، مثل الجامع النوري الكبير والمنارة الحدباء وبعضا من الجوامع والكنائس الاثرية" يقول خير الدين احمد معاون مفتش اثار نينوى لـ(كركوك ناو).
وبحسب الاحصائيات المرصودة من قبل مفتشية اثار محافظة نينوى فإن عدد المواقع التي اقدم تنظيم داعش على تفجيرها او العبث بها وتخريبها خلال فترة سيطرته على اجزاء واسعة من محافظة نينوى من اب 2014 لغاية تموز 2017 يصل الى نحو 150 موقع اثري.
لحظة تفجير منارة الحدباء وجامع النوري 2017
احياء روح الموصل
بدورها تبنت منظمة اليونسكو ضمن برنامجها الذي يحمل اسم "احياء روح الموصل" مسألة اعادة بناء الجامع النوري الكبير بدعم من دولة الامارات العربية المتحدة.
وقد اطلقت اليونسكو في السنة الماضية وبالتعاون مع جامعة الموصل مسابقة من اجل تنفيذ تصاميم للجامع، لتعلن في وقت لاحق عن اختيار التصميم الفائز الذي نفذه ثمانية مهندسين معماريين من جمهورية مصر العربية، وبحسب اليونسكو فإن التصميم الرابح والذي حمل اسم "حوار الاروقة" كان من بين 123 تصميما مقدما الى المنظمة.
"اعادة اعمار مجمع جامع النوري وهو احد المعالم التاريخية المتأصلة في نسيج مدينة الموصل وتاريخها ستترك بصمة بارزة ضمن الجهود المبذولة للدفع بعجلة تحقيق المصالحة والتلاحم الاجتماعي"، تقول اودري ازولاي المديرة العامة لليونسكو قالت في تدوينة منشورة على موقع اليونسكو الرسمي.
واضافت ازولاي بان مواقع التراث والمعالم التاريخية من شأنها ان تحفز شعور الناس بالانتماء وبالمجتمع والهوية.
جدل حول التصميم الجديد
التصميم الجديد الفائز جوبه بالرفض من قبل بعض اهالي الموصل وناشطيها بحة انه بعيد كل البعد عن الشكل القديم كما انه لا يمت للعمارة الموصلية بصلة من جهة وكون التصميم من تنفيذ مهندسين غير محليين ولا يدركون ارتباط الناس بإرثهم بحسب المعترضين.
تهاني صالح، ناشطة ومدونة على وسائل التواصل الاجتماعي عبرت من جهتها عن رفضها واستنكارها الشديدين للتصميم الفائز، وعزت ذلك الى ان اليونسكو تجاهلت وبشكل "قاس" اهالي الموصل ورؤيتهم في مسألة اعادة بناء الجامع.
"احد اهم معايير اعادة الاعمار للاماكن التاريخية عالميا هو اشراك اهالي تلك المنطقة والاخذ برأيهم" الا ان اليونسكو انفردت في ذلك واتخذت القرار رغم الاصوات المعترضة على ذلك" تضيف صالح.
واستغربت من قيام نفس المنظمة باعادة اعمار كنيستي الطاهرة وكنيسة اللاتين بنفس النمط السابق واصرارها على بناء الجامع النوري الكبير وفق التصميم الجديد.
في مقابل ذلك لم يجد ايوب ذنون الناشط الموصلي والمطلع على برنامج "احياء روح الموصل" اي مبررات لرفض التصميم الجديد للجامع، عازيا السبب الى تحفظ اليونسكو على اعادة اعمار المنارة الحدباء بنفس طرازها السابق وان التحديث دخل لشكل الجامع فقط .
لكن ذنون يطالب ايضا بـ"بعض الاضافات التي يجب ادخالها على التصميم الجديد لتعكس روح الموصل واصالتها" .
وجامع النوري الكبير ومنارة الحدباء تم بناءهما في العهد نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري (1100 ميلادي تقريبا)، والمنارة تعتبر الشئ الوحيد الذي بقي في مكانه الاصلي من الجامع الاصلي. الذي شهد عبر العصور السابقة مراحل من اعادة بناء واعمار .
عمار العلي، موظف اعلام ديوان الوقف السني في نينوى عبر لـ(كركوك ناو) عن تفهم ديوان الوقف السني لمخاوف اهالي الموصل وناشطيها من التصميم الجديد للجامع النوري الكبير.
معللا ذلك الى ادخال جانب الحداثة في التصميم والبناء سيكون اشبه بالمكان المفتوح والمتاح للجميع، مشيرا الى احتواء الجامع على مدرسة وقاعات ومساحات خضراء أيضا.
وعلى الرغم ان الجامع تابع للوقف السني إلا ان دوره في اعادة الاعمار "تنسيقي" فقط ولا دور تنفيذي له حسب قول العلي.
اليونسكو وضحت في بيان اطلع عليه (كركوك ناو) ان التغييرات التي تضمنها المشروع "إعادة بناء قاعة الصلاة التاريخية في جامع النوري"، من اجل "تحقيق الانسجام بين أركان المجمع، وذلك من خلال استحداث أماكن عامة مفتوحة ذات خمسة مداخل تربطها بالشوارع المحيطة بها".
وواوضحت انها "ستسترجع قاعة الصلاة الهيئة التي كانت عليها قبل تدمير جامع النوري في عام 2017، ولكن مع إدخال تحسينات ملحوظة عليها، وذلك على صعيد استغلال الإضاءة الطبيعية وإيجاد أماكن واسعة مخصصة للنساء ولكبار الشخصيات، بحيث تتصل بالقاعة الرئيسية من خلال مساحة مفتوحة نصف مغطاة، يمكن استخدامها كمكان مفتوح للصلاة".
ويذكر ان منارة الحدباء وجامع النوري تعرضا للتدمير بعد تفجيرها على يد عناصر تنظيم الدولة "داعش" في 21 حزيران 2017، بعد محاصرتهم من قبل افراد القوات العراقية .
جامع النوري قبل تفجيره من قبل داعش
وتعد المنارة الحدباء واحدة من اهم المعالم الاثرية التي تميز الهوية التاريخية لمدينة الموصل خصوصا ومحافظة نينوى عموما.
وكان زعيم تنظيم داعش ابراهيم البدري الملقب بأبو بكر البغدادي قام بالقاء خطبة الجمعة في رمضان 2014 في الجامع عقب تمكن التنظيم من بسط نفوذه بالكامل على مدينة الموصل، قبل ان تتمكن قوة امريكية خاصة من تنفيذ عملية نوعية وقتله في شمال غرب سوريا في تشرين الاول من العام 2019.
وما بين الحداثة المزمع ادخالها لصرح الجامع النوري والاحتفاظ بشكل المنارة المحفوظ في مخيلة الموصليين ينتظر سكان الموصل بشوق لاعادة اعماره ورؤيته شاخص من جديد والذي من المؤمل ان يبدأ العمل باعادة البناء بداية الخريف القادم.